حسن يحيى محمد أحمد يكتب: إجراءات 25 أكتوبر حققت نجاحاً باهراً ولم تفشل!!
*قحت وصفت تلك الإجراءات بأنها انقلاب عسكري وأخذت تروج لهذا الانقلاب بواسطة صحفييها على أمل أن يساعدوها في العودة مرة أخرى لكراسي السلطة. السؤال هنا: هل تم الانقلاب المزعوم ضد حكومة مدنية منتخبة حتى يهب الشعب والمجتمع الدولي لنجدتها؟!! أم تم ضد عصابة سرقت مجهود الشباب؟!!
*حكومة شلة المزرعة أول من طالب بإصلاحها وتصحيح مسارها هم الشباب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير حيث انطلقت مواكبهم في العاصمة والولايات وهي تنادي بالإصلاح وتصحيح المسار ثم انضم لهم الحزب الشيوعي الذي خرجت مواكبه تطالب أيضاً بالإصلاح والتصحيح وعندما يأس من ذلك نادى بإسقاط حكومة قحت وأعلن خروجه منها. كذلك جمد حزب الأمة نشاطه مع قحت كما خرج عليها أيضاً تجمع المهنيين الذي لعب دوراً كبيراً في الحراك السياسي. هكذا انسحب من قحت كل الذين شايعوها سابقاً بعد أن تكشفت لهم حقيقتها فروا من مركبها الغارقة طلباً للنجاة. يُحمد للبرهان أنه قبر جنازة البحر مجهولة الهوية إلى مثواها الأخير بعد أن انفض عنها سامرها في الداخل والخارج.
*إجراءات 25 أكتوبر قام بها شريكها في الحكم استجابة لمطالب الشارع وليس انقلاباً على التحول الديمقراطي لأنه لم يكن هنالك أي تحول ديمقراطي في السودان وخير شاهد على ذلك أن أمريكا شككت في حقيقة التحول الديمقراطي في السودان ولهذا لم تدعمه إلا بحفنة من الدقيق.
*القوى الخارجية أصبحت في حيرة من أمرها لأن العسكريين هم الذين يطالبون بالانتخابات التي يرفضها المدنيون الذين يطالبون بتمديد الفترة الإنتقالية لمدة خمسة عشرة عاما حتى يصبح السودان في حالة صيرورة دائمة فترة إنتقالية حكومة إنتقالية دستور إنتقالي مجلس تشريعي إنتقالي قحت حيرت الداخل والخارج أيضاً في وقت واحد بمواقفها المتناقضة فهي تسعى لإقصاء العسكريين من المشهد السياسي بينما هي تسعى للتحالف مع الحلو وعبد الواحد وتغازل حركات التمرد التي لم توقع على اتفاق السلام. قحت ترفض التفاوض مع العسكريين جهراً وتتفاوض معهم سراً في الظلام.
*هذا السلوك والنهج برهن على أن قحت منظومة برغماتية ليست لها مبادئ والغاية عندها تبرر الوسيلة.
*قحت ظلت تبذل قصارى جهدها في إنهاء وإسقاط الانقلاب المزعوم لأكثر من (10) شهور ولم تفلح ومع ذلك وصفته بالفشل حيث إدعت أن حميدتي قد وصف تلك الإجراءات بالانقلاب الفاشل بالرغم من أن حميدتي لم يذكر في حديثه كلمة الانقلاب.
*مضمون حديث حميدتي هنا أن إجراءات 25 أكتوبر لم تنفذ ويؤكد ذلك حديثه عن أن النميري كان كارب قاشه ويؤكد ذلك أيضاً رأيه في انسحاب الجيش من حوار الآلية الثلاثية عند سؤاله عن ذلك أجاب طالما اتفق زملاؤه على ذلك عليهم أن يتمسكوا بموقفهم هذا وأن لا يتراجعوا عنه وكل ذلك يؤكد أن حميدتي لم يكن راضياً عن البطء والتردد الذي لازم تنفيذ إجراءات 25 أكتوبر مما قاد إلى حالة من الاحباط في نفوس المواطنين.
*بعد فشل قحت في إسقاط إجراءات 25 أكتوبر التصحيحية سعت إلى الوقيعة والفتنة بين حميدتي والبرهان بالحديث عن التنافس بينهما وصراعاتهما وخلافاتهما المسكوت عنها وتلك هي مزاعم كاذبة وتحليلات وتفسيرات غير صحيحة لأحاديثهما.
*ما قامت به قحت في هذا المجال عبارة عن شائعات مغرضة تأتي في إطار الحرب النفسية الموجهة ضدهما بالتشكيك في كفاءتهما ومهنيتهما ونزاهتهما وفات على من يروجون لتلك الشائعات أن العسكريين محصنين ضد الحرب النفسية لأنهم تدربوا على كيفية مقاومتها.
*قحت أحدثت شرخاً عميقاً وغائراً في العلاقات بين المدنيين والعسكريين ستكون له انعكاساته السلبية على الحياة السياسية في السودان.
*الانقلاب المتوقع الذي أشار إليه دكتور إبراهيم الأمين إذا حدث فعلاً فإنه سيكون انقلاباً عسكرياً قُحاً ليبرهن للمدنيين أن العسكريين أقدر منهم على إدارة شؤون الدولة لأنهم أهل فكر وعلم واستراتيجية نالوها من أكاديميتهم العسكرية العليا التي تعتبر أكبر مركز للدراسات الاستراتيجية بالسودان.
*قحت بسلوكها هذا أصبحت اليوم أكبر مهدد للأمن القومي السوداني ومن هنا جاءت إجراءات 25 أكتوبر لظروف أمنية من أجل الحفاظ على كيان الدولة.
*حميدتي الذي تستهدفه قحت الآن سبق لها أن وصفته (بالضكران) الذي خوف الكيزان وهذا اعتراف ضمني منها بالدور الذي لعبه في إسقاط النظام السابق عندما أعلن خلال مرحلة الحراك السياسي بأنه سيقوم بحماية المتظاهرين.
*حميدتي لعب دوراً كبيراً في بسط الأمن بدارفور حيث كسر شوكة حركات التمرد في عملية قوز دنقو النوعية كما بذل جهداً كبيراً في المصالحات القبلية وتقديم المساعدات الانسانية للمواطنين في مختلف الولايات.
*حميدتي برهن على أنه رجل السلام إذا تبنت الدولة سياسة السلام وفارس الحرب إذا تبنت الدولة سياسة الحرب.
*نشر هذا الرجل ثقافة السلام في ربوع البلاد وكان له حضور دائم في كل المواقف وبرهن على أنه رجل دولة من طراز فريد حيث تقترن أقواله بأفعاله وله قدرة عالية في اتخاذ القرار المناسب في الوقت والمكان المناسب كما يتمتع بكاريزما سياسية وعسكرية قوية وشفافية ومكاشفة ووضوح تام.
*لم يتأثر الرجل بالحملة الشعواء التي تستهدفه وتستهدف قواته حيث تقبلوا كل ذلك بصدر رحب وانضباط عسكري صارم وبرهنوا حقيقة للذين يتهمونهم بالمليشيات بأنهم قوات نظامية منضبطة منشأة بقانون وهي من صلب تنظيم الجيش السوداني وتعمل تحت إمرة القائد العام.
*هذه القوات ليست موازية للجيش وليست بديلة عنه وهي ليست بدعة سودانية حيث توجد مثيلاتها في كل دول العالم تحت مسميات مختلفة كالحرس الثوري في إيران وقوات حزب الله في لبنان والجيش الشعبي في العراق وقوات الانتشار السريع في أمريكا.. إلخ.
*فزاعة تعدد الجيوش في السودان جاءت بها القوى الخارجية وتبنتها قحت بقصد تفكيك الجيش وإضعافه لأنه وقف سداً منيعاً أمام المخططات الخارجية لتقسيم السودان.
*تعدد الجيوش موجود كذلك في مصر القريبة حيث ظهر في حرب أكتوبر 73 اسم الجيش المصري الثالث الذي عبر قناة السويس وفي الحرب الروسية الأوكرانية ظهر اسم الجيش الروسي رقم (49) تلك هي بعض النماذج لتعدد الجيوش في الدول الأخرى.
*تعدد الجيوش يعتبر مصدر قوة وليس عنصر ضعف. الجيش تنظيم عسكري شأنه كشأن تنظيم الفرق والفيالق ولا يعني هذا التعدد في البلد الواحد أن هذه التنظيمات تعمل كجزر معزولة بل هي تعمل تحت قيادة مركزية واحدة تفرض سيطرتها التامة عليها جميعاً مهما كان تعددها.
*السودان بحجمه الكبير لا يمكن حمايته إلا بتعدد الجيوش فيه بحيث يكون فيه خمسة جيوش ميدانية تعمل تحت قيادة مركزية موحدة بمعدل جيش ميداني لكل اتجاه استراتيجي وجيش ميداني لمنطقة البحر الأحمر لأهميتها الاستراتيجية ومنطقة عسكرية مركزية مقرها منطقة الأبيض حيث تسهل الحركة منها لدعم أي جيش ميداني.
*التعدد في السودان مصدر قوة يمثل وطناً واحداً والتعدد في الجيوش يمثل جيشاً واحداً.
*السودان مستهدف في ثرواته وموارده الضخمة وموقعه الجيوبولتيكي المتميز ولهذا اهتمت الإنقاذ على إعداد القوى لمواجهة ذلك الاستهداف فأنشأت قوات الدفاع الشعبي وفعّلت الخدمة الوطنية ودربت المجاهدين والدبابين وأنشأت قوات الدعم السريع.
*الإنقاذ أنشأت كذلك المنظومة الدفاعية التي حررت القرار العسكري للسودان.
*الجيوش تُبنى بالسياسة وليس بالميزانيات السنوية المعجزة والسياسيين في السودان لا يدركون هذه الحقيقة التي يدركها العسكريون.
*الإنقاذ أدركت مبكراً بأن أي عمل سياسي منظم يسعى لإحداث التغيير والإصلاح بالسودان لا يمكن له أن ينجح إلا إذا كان مدعوماً ومسنوداً بواسطة الجيش ولهذا اهتمت بدعم الجيش وتقويته.
*قحت استهدفت الجيش منذ يومها الأول وسعت لإقصائه عن المشهد السياسي وفشلت وانتحرت سياسياً.
*مشاركة العسكريين في السلطة في كل دول العالم الثالث تعتبر أكثر من ضرورة من أجل حفظ الأمن والاستقرار السياسي في كل دول العالم الثالث لأن هذه الدول لم تحقق إجماعاً قومياً أو تآلفاً في نسيجها الداخلي كما لم تحدد ثوابتها الوطنية وترسم غاياتها القومية العليا وتتفق على دساتيرها هذا بالإضافة لمشاكل الصراع حول السلطة والصراعات القبلية والجهل والمرض والتخلف والفقر.
*قحت لم تعترف بمشاركة العسكريين في السلطة لأنها إدعت أن مسؤولية الحكم هي مسؤولية المدنيين فقط.
*هنالك جدل فكري قديم ومتجدد في مجال من يصلح للحكم في السودان رجل سياسي مدني أم رجل عسكري يفهم في السياسة والإجابة على هذا السؤال تضع حداً للدورة الجهنمية التي ظل يدور فيها السودان منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا.
*تجربة العسكريين في الحكم كانت ناجحة وانجازاتهم هي التي تسير بها البلاد حالياً أما تجربة المدنيين في الحكم فقد كانت فاشلة لأنهم لم يستطيعوا أن يشقوا ترعة أو يفتحوا جدولاً صغيراً.
*كل ما نجح فيه المدنيون هو خراب ودمار ما بناه العسكريون بالإضافة إلى وضع البلاد تحت مظلة الوصاية الدولية قحت فشلت خلال ثلاثة سنوات في تحويل ثورة الشباب ألى دولة حيث ظلت تحكم السودان من الشارع بشعارات جوفاء لم تتنزل إلى الواقع .
*انسحاب المكون العسكري من حوار الآلية الثلاثية القصد منه افساح المجال لضمان توافق المدنيين ولا يعني ذلك الانسحاب خروج العسكريين كلياً من المشهد السياسي لأن مشاركة العسكريين في السلطة في كل دول العالم الثالث تعتبر أكثر من ضرورة من أجل حفظ الأمن والاستقرار السياسي بتلك الدول كما تمت الاشارة لذلك أعلاه.
*كذلك تبرز أهمية مشاركة العسكريين في السلطة في الدول المتقدمة كما هو الحال في أمريكا والدول الأوروبية وكل الدول التي تنتهج الديمقراطية سبيلاً للحكم.
*قحت رفضت كل المبادرات وقدمت مبادرتها الضرار فهي لا ترى إلا ما تراه هي.
*كل المبادرات فشلت بما فيها مبادرة قحت لأن من قدموا المبادرات كانت لهم أجندة شخصية وحزبية ومصالح لقوى خارجية كما إن من شاركوا في الأزمة لا يمكن لهم أن يكونوا جزءاً من الحل هذا بالإضافة إلى إن هذه المبادرات لم تُبنى على فكرة مشروع سياسي جامع لكل أهل السودان.
*أما مبادرة نداء أهل السودان فإنها قُدمت من جهة ليس لها علاقة بالسياسة ولا ترغب في تولي السلطة وهي مبادرة وطنية تسعى لتحقيق مصالح قومية ولهذا حظيت بالتفاف الجماهير حولها لأنها تمثل خارطة طريق لخروج السودان من أزمته الحالية. هذه المبادرة اندمجت فيها مبادرات أخرى فأصبحت تمثل جوهر المبادرات والمطلوب تبنيها واتخاذ قرار بتنفيذها عاجلاً لأنها تمثل صوت الأغلبية الصامتة والأغلبية المطلقة تكفي هنا في حالة تعذر الاتفاق السياسي الشامل الذي تعطله قحت.
*زيارة مدعي المحكمة الجنائية الدولية للخرطوم في هذا التوقيت جاءت لتبطل مفعول هذه المبادرة القومية. تلاحظ تردد زيارات المحكمة الجنائية للخرطوم عندما تكون هنالك بوادر لتسوية سياسية شاملة.
*الخرطوم ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية ولا يحق لها المطالبة بأن تفتح لها مكتباً بالخرطوم.
*كارثة الظروف الطبيعية والأزمة السياسية الخانقة وانسداد الأفق السياسي والأزمة الاقتصادية الطاحنة والهشاشة الأمنية والفراغ الدستوري وحالة اللادولة كل ذلك يحتم الإسراع في تشكيل حكومة مركزية قوية تضم كفاءات وطنية مستقلة لإدارة الفترة الانتقالية.
*خلاصة القول: إجراءات 25 أكتوبر حققت نجاحاً باهراً ولم تفشل لأنها صححت الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه المجلس العسكري بتسليمه السلطة لأقلية مدنية غير منتخبة لا دور لها في ثورة الشباب لأنها انضمت لها بعد إحدى عشر يوماً من نجاحها وقامت بسرقتها وإجهاضها.
*إجراءات 25 أكتوبر حولت قحت لمعارضة شوارع بلا سند دستوري وقانوني وشعبي يحميها ولهذا تسهل عملية حسمها بقوة القانون وقوة الدولة.
*المجلس العسكري الانتقالي هو الذي أسقط النظام السابق وآلت إليه شرعيته وكان ينبغي عليه تشكيل الحكومة المدنية لإدارة الفترة الانتقالية منفرداً.
*ختاماً: أسأل الله أن يحفظ الوطن الجريح بفعل بنيه الطامعين في السلطة بلا فكر وبلا وعي سياسي ورؤية استراتيجية وبلا وضع اعتبار لمصالح الشعب السوداني ورحم الله من قال إن الفكر المتخلف أكثر خطورة على الاستراتيجية من السلاح المتخلف. وبالله التوفيق.
فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد زمالة أكاديمية نميري العسكرية العليا كلية الدفاع الوطني/ نقلاً عن الانتباهة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.