ماذا خسر السودان اقتصاديا بسبب انقلاب البرهان؟
الخرطوم: باج نيوز
في شقة سكنية متواضعة بالطابق الثاني والأخير من منزل قديم غربي الخرطوم، يقيم أسامة وزوجته وأبناؤهما الثلاثة.
مدخل الشقة عبارة عن غرفة بها سريران، وعلى يسارها مطبخ ضيق يحوي صنبور مياه متهالك.
وبين السريرين ممر صوب غرفة أصغر بها مقاعد لعدد محدود من الضيوف، وتتصل مباشرة بغرفة نوم رئيسية لا يحجبها سوى ستارة.
تدبير قيمة الإيجار الشهري لهذه الشقة بات الآن عبئا تقيلا على أسامة، إذ ارتفعت قيمة الإيجار مرات عديدة خلال السنوات الثلاث الماضية، من 6 الآف جنيه سوداني شهريا إلى 50 ألف جنيه حاليا، ويقول لو تركتها لن أجد شقة بأقل من 150 ألف جنيه شهريا.
يعاني أسامة أزمة مالية مثل كثير من السودانين في الأشهر الأخيرة، زادت حدتها بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي.
غلاء طاحن
” الغلاء صار طاحنا” هكذا وصف أسامة لبي بي سي الوضع في السودان، قائلا: “رغيف الخبز صار يساوي 33 جنيها بدلا من 5 جنيهات قبل شهور قليلة. ننفق على الخبز وحده نحو 2000 جنيه في اليوم الواحد”.
ويضيف أسامة: “زمان كان الدخل يكفيني لتدبير كل احتياجاتي لمدة شهر، أما الآن فلا يكفي لأسبوع أو خمسة أيام”.
لا مكان للترفيه في حياة أسامة وأسرته، ويقول “نحن بالكاد نغطي الاحتياجات الأكثر إلحاحا وليس كل الاحتياجات الأساسية”.
ووفقا لآخر إحصاء لمفوضية الضمان الاجتماعي بالسودان والذي أعلنت نتائجه في سبتمبر/أيلول عام 2020، يقبع 77 % من السودانيين البالغ 40 مليون تحت خط الفقر، ولم يتجاوز دخل الفرد دولارا واحدا و25 سنتا فقط لليوم.
معاناة الزوجة مع المرض صارت أشد
إقبال، زوجة أسامة، تعاني من فشل كلوي ألزمها الخضوع لجلسات غسيل كلوي مرتين أو ثلاثا أسبوعيا.
وتضطر أحيانا لإجراء الجلسة في مستشفى خاص، عندما يتصادف موعد جلستها مع التظاهرات، فلا تستطيع الوصول للمستتشفى الحكومي المجاني.
ارتفع سعر الجلسة في المستشفى الخاص من 6 آلاف جنيه سوداني إلى 100 ألف جنيه. وتقول إن أجرة السيارة التي تقلها للمستشفى تضاعفت أيضا.
وتحكي إقبال لبي بي سي أنها اضطرت في الشهور الأخيرة وتحت وطأة الحاجة وارتفاع الإسعار لشراء جزء من أدويتها دون باقي الأدوية.
“لولا مساندة الأهل والأصدقاء والجيران لما استطعنا تجاوز تلك الأزمات” يقول أسامة.
منذ 25 أكتوبر الماضي، تشهد الخرطوم ومدن أخرى مظاهرات تطالب برحيل الحكم العسكري، وعادة ما يغلق المتظاهرون الشوارع في مناطق التظاهر لإعاقة تعقب قوات الأمن لهم بينما تقطع السلطات جسورا وطرقا تربط بين مدن العاصمة الثلاث.
خسائر إقتصادية
يعمل أسامة في الاستزراع السمكي، ولديه مزرعة في منطقة ريفية خارج مدينة الخرطوم.
بدأ المشروع قبل عام، لكن أسعار غذاء السمك والمواد الخام الذي يحتاجها للمزرعة، تضاعف 10 مرات خلال عام، ما صعب عليه إدارة المشروع.
وقد خسر زبائنه في الآونة الأخيرة بسبب الاضرابات التي تشهدها البلاد، فقطع الطرق في بعض الأيام حد من إقبال المطاعم والتجار على شراء الأسماك في معظم الأيام.
الاقتصاد السوداني أيضا خسر جزءا لا بأس به من إيراداته بعد الانقلاب العسكري.
يقول طاهر المعتصم، نائب رئيس تحرير صحيفة السوداني لبي بي سي ان إيرادات البلاد الآن في انخفاض دائم، بسبب تراجع عدد أيام العمل لنحو 16 يوما شهريا، بسبب أيام العطلات والمظاهرات التي يتعطل فيها العمل في المؤسسات والمناطق الحيوية.
ويعاني السودانيون بشدة من موجة ارتفاع في الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية، منذ الإطاحة بحكومة حمدوك.
تراجع للخلف
بعد رحيل البشير تلقت الحكومة السودانية دعما خارجيا لتحسين جودة حياة مواطنيها فوزعته على فئات من مواطنيها تحت عنوان برنامج “ثمرات”.
وبدأ بعضهم يحصل على عدة دولارات شهريا من هذه البرنامج الذي توقف في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر.
وتفيد إحصاءات البنك المركزي بأن الاقتصاد السوداني حقق في النصف الأول من 2021 تقدما كبير وانخفاضا في العجز بالميزان التجاري.
ولم تكشف بعد أرقام النصف الثاني من العام الماضي، لكن المراقبين يتوقعون أن تتراجع تلك المؤشرات.
وكان وزير الاستثمار والتعاون الدولي في حكومة حمدوك قد ذكر أن السودان خسر بسبب أحداث 25 أكتوبر الماضي استثمارات تقدر بأكثر 35 مليار دولار في مجالات الزراعة والصناعات المتكاملة وغيرها.
فمنذ الانقلاب العسكري، جمدت واشنطن برنامجا يتيح للسودان 700 مليون دولار، وكذلك توقف برنامج لتخفيف ديون السودان الخارجية التي بلغت 59 مليار دولار قبل رحيل البشير.
كما أوقفت مؤسسات تمويل دولية خططها لدعم الاقتصاد السوداني ومنها البنك الدولي، ناهيك عن تراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية.
وتأخر اعتماد موازنة العام المالي الجديد الذي يبدأ عادة مع بداية العام الميلادي، لغياب الحكومة لأكثر من شهرين، قبل تقر نهاية الأسبوع الماضي، مع تكليف وكلاء الوزراء بالقيام بتولي دور الوزراء.
سبب الأزمة سياسي
ينحي بعضهم باللائمة على المكون العسكري في السلطة، ويقولون إن الانقلاب أطاح بما يصفونها بإنجازات حكومة حمدوك.
بيد أن علي عسكوري رئيس حزب التحالف الديموقراطي للعدالة الاجتماعية، يرى أن الأزمة سياسية بالأساس.
ويضيف في مقابلة مع بي بي سي أن السبب الرئيس في الوضع الحالي هوالأزمة السياسية الناجمة عن عدم قدرة “الأحزاب السياسية على الوصول الى توافق فيما بينها حول رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية تمثلت في الصراعات بينها قبل وبعد 25 أكتوبر.
وأردف أنه إذا كان المكون العسكري مسؤولا عن الوضع الحاصل حاليا جزئيا، فإن المسؤول الرئيس هو القوى السياسية التي أخفقت في تسيير الفترة الإنتقالية، على حد وصفه.
وأكد أن الحل سياسي بالأساس ويكمن في توافق القوى السياسية السوادنية على شراكة سياسية جامعة لا تقصي أحدا.
ويقول: “أي حكومة جديدة ستنتهي إلى النتيجة نفسها بسبب وضع الاقتصاد السوداني الذي يعتمد على الريع، من الطبيعة سواء ثروة زراعية او حيوانية او المعادن كالذهب” دون قاعدة إنتاجية زراعية أو صناعية قوية ومؤثرة، كما أن البلاد تعاني عدم الاستقرار بسبب صراعات مسلحة عرقية واثنية عديدة داخلها تهدد الاستقرار”.
مخاوف مما يحمله المستقبل
ويخشى طاهر المعتصم من لجوء السلطات إلى طبع العملة دون غطاء مثلما كان يحدث سابقا (أيام اليشير) والذي توقف تماما قبل الإنقلاب. هذا سيؤدي الى ارتفاع التضخم بشكل كبير ومن ثم لن يتمكن المواطن السوداني من توفير قيمة احتياجات كثيرة.”
ويضيف مؤكدا أن إعادة الاقتصاد السوداني لمساره قبل الإنقلاب يتطلب حكومة مقبولة لدى الشارع لوقف التظاهر وعودة الحياة إلى طبيعتها واستعادة الدعم الدولي.
أما أسامة، فيخشي من أن ترتفع الأسعار أكثر، فلا يستطيع توفير احتياجات أسرته الأساسية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.