باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

أماني إيلا تكتب: (عيال دقلو)

2٬516

*من عجائب الساحة السياسية السودانية هو هذا التأرجح الحاد في المواقف من الكيانات والأشخاص، بل وحتى من الأحداث، فمكونات الساحة السياسية بلا استثناء قد تصدمك بتغير كامل في موقفها من حدث ضخم أو تجاه شخصية محورية أو كيان مؤثر في الساحة من قمة الاتفاق والتوافق إلى قمة التضاد والاختلاف والتناحر، وهذا مؤشر خطير على حالة اللا مبدئية في التعاطي السياسي بالساحة السودانية، ولعل قوات الدعم السريع وقائدها ونائبه الفريقان حميدتي وعبد الرحيم (عيال دقلو) يمثلان أبرز أمثلة ضحايا هذه اللا مبدئية في المواقف وتقلبها الحاد من قمة الرضاء إلى كامل السخط، حيث بلغت قمة حالات الرضا عليهم وتقديسهم في أوائل أيام الاعتصام أمام القيادة حيث تعالت الهتافات الممجدة لهم وارتفعت اللوحات على جسر نفق بري بوصف قائد الدعم السريع بأنه (الضكران الخوَّف الكيزان)، وتعالت المنابر بمدحه بأنه من حمى اعتصام ورفض أوامر البشير بضرب المتظاهرين والمعتصمين، بل وخرج بعض قادة الثورة مفصحين عن اجتماعات تمت مع حميدتي أكد فيها حمايته للاعتصام، بل وتنظيف أرضه!
*وقد حدثني أحد كوادر الحزب الأعتق في اليسار السوداني عن ثقتهم وآمالهم وخططهم لقائد الدعم السريع وقال فيه ما لم يقله حسان بن ثابت في الحبيب المصطفى، حتى بلغ بحميدتي الأمر أن وصفهم بأنه (جوا رقدوا لينا في الواطة دي عشان نحميهم) ثم.. سبحانه مغير الأحوال، انقلب الحال رأساً عن عقب وأصبح ذات الحزب الذي مدح ومجد واحتمى بقوات الدعم السريع وقائدها يقود عليها أشنع حملات الشيطنة والتجريم، ويحاول ابتزازها كل حين بإثارة وريقات لا قيمة قانونية لها، فما السبب في هذا التحول الكبير في المواقف!؟

*قبل الإجابة عن السؤال ربما يجب علينا أن نثبت الدور المهم والمؤثر الذي لعبته هذه القوات وقائدها في حماية أمن السودان وتماسكه منذ تأسيسها كجزء من جهاز الأمن ولن ينكر ذلك إلا من جهل ما قامت به من أدوار فاصلة في كثير من المعارك قبل الثورة وبعدها، وكذلك الأدوار المهمة التي قامت بها في استتباب الأمن في كثير من المناطق المشتعلة بعد الثورة، وأن نثبت أن ما يشاع من أنها قوات موازية للجيش السوداني وأن بينهما خلافات أو نزاعات هو مجرد محاولة للوقيعة بينهما، فالدعم السريع كما ظل يكرر الجيش وحميدتي هو جزء من الجيش ويأتمر بأمر قيادته، وأن نثبت كذلك أنه لا مجال للمقارنة في موازين القوة بين الجيش والدعم السريع، وهي لا راجحة بلا أدنى شك لصالح الجيش، وواهم من يظن أن الدعم السريع يمكنه أن يقارع الجيش تحت أي ظرف من الظروف، ثم أخيراً أن نثبت أن للدعم السريع أيادٍ طويلة وخضراء ليس في فقط في المجال العسكري، بل تمتد أياديه تلك للجوانب السياسية المؤثرة على كامل الوطن من شاكلة الدور الإيجابي المفصلي الذي لعبه الفريق عبد الرحيم في هندسة وترتيب التوافق السياسي الأخير والذي امتدحه فيه كل من حمدوك والبرهان، دون أن نغفل بالتأكيد الأدوار الاجتماعية والإنسانية التي لعبتها وتلعبها هذه القوات منذ الثورة وقبلها.

*ولعل سبب التحول الكبير الذي حدث في موقف أحزاب الحرية والتغيير تجاه قوات الدعم السريع وقائديها مرجعه الأساسي هو إخفاق هذه المكونات السياسية في استخدام هذه القوات في المعركة الصفرية (عسكر ضد مدنيين) التي أرادت خوضها متسلحة بالدعم السريع كحليف مرحلي تنافح به وتوازن قوة الجيش، فقد ثبت لها قبيل فض الاعتصام خطأ حساباتها لموازين القوة بين الطرفين وخطأ ظنها بقدرتها على السيطرة على قائد الدعم السريع وتوجيهه، بل واكتشفت أن التنسيق والتقارب بين قيادة الجيش وقائد الدعم السريع أفضل بكثير مما تصوروه وأن قيادة الجيش بخبرتها الطويلة قد تمكنت تماماً من مفاصل الدعم السريع كأحد أفرعها وتحت قيادتها، كما اتضح لهم الطموح السياسي الكبير للفريق حميدتي حين تحول من قائد عسكري إلى رجل مجتمع وسياسة وبدأ في بناء علاقات وحاضنات مجتمعية تمهد لصعوده السياسي بعيداً عن مكونات قحت، ولعل أحد أسباب نفض قحت يدها عن حميدتي وبداية حملة الشيطنة والتجريم ضده وضد شقيقه عبد الرحيم هو موقفهما المغاير تماماً لـ(قحت) فيما يخص اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، حيث اعتبره حميدتي مكسباً كبيراً له وعارضت قحت الاتفاقيات باعتبارها خصماً من نصيبها السياسي وحصتها في حكومة الثورة.
*أخيراً، استهداف الدعم السريع بقوته ووضعيته القانونية كجزء من القوات المسلحة هو من قبيل الكيد السياسي المؤثر سلباً على الأمن القومي السوداني، ومحاولة تصويرها بأنها مجموعة من القتلة والمجرمين بقيادة قائد عصابة فيه إجحاف كبير بحق هذه القوات وأدوارها المشهودة، وأن ورقة الابتزاز التي ترفعها (قحت) بين الحين والآخر والخاصة بالتجاوزات التي تمت في فض الاعتصام، والذي وافقت عليه كل مكونات قحت، فهي قد أصبحت ورقة بالية فقدت مفعولها تماماً، ولجنة أديب (القضائية المدنية) تعمل تحت إشراف المكون المدني ولم تدن حتى اليوم أحداً بعلم وموافقة وتواطؤ كامل المكون المدني.

*فمتى ستفكر القوى السياسية السودانية بالرشد والموضوعية والحكمة اللازمة لتتفهم أهمية التوافق والتصالح والتناغم مع الجيش وقيادته ومع الدعم السريع وقائديه كجزء من الجيش، بل ومع جموع الإسلاميين العريضة، وأن تكف عن حملات الشيطنة والتجريم وفش الغبائن، لنعبر بالبلاد من هذه الفترة الخطيرة من تأريخها، ولينعم الشعب بما من أجله قد ثار ودفع غالي ما يملك والنفيس!؟

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: