مزمل أبو القاسم يكتب : زبيدة قيت (2)
في البدء نتفق مع الأخ صلاح مناع، عضو لجنة إزالة التمكين في حديثه عن الفساد المعشعش داخل البنك الزراعي السوداني، سيما في ما يتعلق باستيراد الأسمدة وبقية المدخلات الزراعية بعطاءات مريبة، وعروض أسعار غريبة وعجيبة، تفوح منها روائح منتنة للفساد.
سبق لنا أن كتبنا مراراً عن تلكم الصفقات، وطالبنا النائب العام بالتدخل لوقفها وإحالة المتورطين فيها إلى المحاكمة، حفظاً للمال العام، ولم تجد مطالبتنا آذاناً صاغية.
في الثامن من شهر يوليو 2020 نشرت (اليوم التالي) تحقيقاً استقصائياً اتصل بتجاوز فاضح للبنك الزراعي، الذي خاطب مجموعة من الشركات العاملة في مجال استيراد الأسمدة طالباً مدَّه بعروض أسعار لشراء مائة ألف طن من اليوريا، وخمسين ألف طن من الداب، وانحصرت المدة المطلوبة لتقديم عروض الأسعار في خمسة أيام فقط، تخللها يومان للإجازة الرسمية (من 23 إلى 28 يونيو)!
انحصرت المهلة المحددة لشراء سلعة تبلغ قيمتها حوالي خمسين مليون دولار في ثلاثة أيام عمل لا غير، وبعد نشر التحقيق الدقيق تدخلت وزارة المالية لإيقاف الصفقة المريبة، ووجهت إدارة البنك الزراعي باحترام قانون الشراء والتعاقد، وإشهار عطاء (عالمي) لشراء الكميات المطلوبة من السماد.
برغم صدور القرار الممهور بتوقيع وكيلة وزارة المالية آمنة أبكر عبد الرسول، ومع تمام علم إدارة البنك الزراعي به، وبرغم تعنيف الوكيلة، أقدمت الإدارة على نشر إعلان مدفوع القيمة في عدد من الصحف اليومية، ادعت فيه أنها حصلت على موافقة وزارة المالية على الإجراء الباطل والمدموغ بالفساد.
السلوك المذكور أعلاه لم يكن استثناءً عند إدارة البنك الزراعي، لأنها درجت على إجراء معظم مناقصاتها وعروض الشراء الخاصة بها بالطريقة نفسها.. خطاب يصدر في آخر الأسبوع، بمهلة زمنية قصيرة، يتخللها يومان للإجازة!!
يوم 2 أبريل 2020 أجرى البنك الزراعي السوداني مناقصة محدودة لشراء (30) ألف بالة من الخيش، وألزم الشركات المختارة بتسليم عروضها بحد أقصاه يوم 8 من الشهر نفسه، وصادف التاريخ الذي أعلنت فيه المناقصة المحدودة يوم الخميس، لتنحصر الفترة المحددة للمناقصة في أربعة أيام عمل، علماً أن المناقصة جرت في عز أيام الحظر والإغلاق بسبب الكورونا، وفي مستهل شهر رمضان المعظم.
يوم (الأربعاء) 22 أبريل 2020 أجرى البنك الزراعي السوداني مناقصة محدودة أخرى بالطريقة نفسها لشراء (50 ألف طن من اليوريا و25 ألف طن داب)، وكالعادة انحصرت فترة تقديم العروض في خمسة أيام، وكالعادة صادفت المناقصة المحدودة آخر الأسبوع، بدخول يومي الإجازة في منتصف المدة المحددة لتلقي العروض، لتنحصر مدة المناقصة في ثلاثة أيام عمل!
بتلك الطريقة الغريبة والمريبة، وبذلك النهج المخالف لنصوص قانون الشراء والتعاقد كان البنك الزراعي السوداني يشتري سلعاً إستراتيجية غالية الثمن، ويمر الأمر مرور الكرام كل مرة.
مؤخراً تدخلت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو لتوقف ذلك التلاعب، فاستبشرنا خيراً بتدخلها، وظننا أنه سينهي الفساد الذي عشعش في البنك الزراعي، وأن عهد العقود المضروبة والصفقات الفاسدة انتهى إلى غير رجعة، فكانت المحصلة (خازوق زبيدة)، التي أصدرت أمس بياناً (على وريقة بيضاء.. بلا ترويسة ولا ختم ولا نمرة ولا تاريخ) واعترفت فيه الشركة بصحة كل حرفٍ كتبناه عن صفقة الخمسة وتسعين مليون دولار.. التي حصدنا منها السراب.. بدلاً من السماد.
* أمس صرَّح رئيس مجلس إدارة المحفظة الزراعية (صاحب المناصب الأربعة)؛ نافياً أن يكون قد اتهم شركة زبيدة بخداعهم، وقال: “صلاح مناع ولجنة إزالة التمكين لا علاقة لهما بشركة زبيدة ولا مسألة الأسمدة”.
صدقنا وآمنا أن زبيدة القابضة لم تقبض على الداب بيدٍ من حديد، ولم ترفض تفريغه إلا بعد تعزيز الاعتماد، ولم تخدعكم بدليل أنها أحضرت كل الكميات المتعاقد عليها من الداب واليوريا في الموعد الذي حدده عبد اللطيف.
صدّقنا وآمنا (والمؤمن صديق) بأن زبيدة صادقة وفية وليست كهند التي قال فيها الشاعر عمر بن أبي ربيعة: (ليت هنداً أنجزتنا ما تعد.. وشفت أنفسنا ممّا تجد)..
ليتها استبدتْ مرة واحدةً.. “إنما العاجز من لا يستبدْ.. كُلَّما قُلتُ مَتى ميعادُنا.. ضَحِكَت (زبيدة) وَقالَت بَعدَ غَد”.. صدقنا أنها لم تخدعكم.. السماد وين؟
نواصل إن كان في العمر بقية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.