في الـ26 من نوفمبر 2020م طوى الموتُ إحدى صفحات التاريخ، كان ذلك بإعلان وفاة رئيس حزب الأمة القومي الإمام الراحل الصادق المهدي عقب إصابته بفيروس كورونا.
وكما اكتنفت حياته سلسةً من المشاهد والأحداث، كان رحيلهُ كذلك، ومن بين الدموع والأسى كانت ابنتهُ رباح الصادق تُعيد في حديثها لـ(باج نيوز) نسج آخر خيوط حياته.
حوار: إيمان كمال الدين/ مجاهد طه
في السابع والعشرين من أكتوبر بدأت أولى تداعيات إصابة الإمام الراحل الصادق المهدي بفيروس كورونا تقول رباح: كان لدى الإمام اجتماع مجلس التنسيق الأعلى للحزب وتأخر عن موعده بعشر دقائق، فذهبت إليه مريم وجدتهُ مرهقًا لكنهُ أصرّ على حضور الاجتماع وقال حينها “هناك قضايا حاسمة لا بد من أن تحسم اليوم”.
بدا مُرهقًا في الاجتماع حتى أنهُ عندما استيقظ كان يظن أن الصبح قد حلّ بعدها أدرك أنه المساء، وطرحت في الاجتماع عشر قضايا، وبعد انتهاءه كان من الواضح إن الحبيب مرهق.
وعلى إثر ذلك تشير رباح إلى إجراء فحوصات طبية كان نتيجتها ظهور التهاب في الدم ، لم يكن قادرًا على الأكل أو الشراب، وفقد الكثير من السوائل وأهلكتهُ الحمى، تم إلغاء الاجتماعات لكن كان يقوم بأشيائه اليومية.
الإصابة بكورونا
وعند حلول المساء انتابت رباح الشكوك حول إصابته بكورنا وتقول: أصبت بكوفيد 19 من قبل وكانت نفس الأعراض، تم أخذ عينة مساء الأربعاء وكانت النتيجة ايجابية يوم الخميس.
وتضيف: تقبل الأمر بصبرٍ وقبول ولم نكن نتوقع أن يكون هناك خطورةعليه نسبة لصحته وممارسته للرياضة، ثم ظهرت إصابة إخواني بكوفيد 19 ما عدا أنا ومريم التي ظهرت إيجابية الفحص لاحقًا،وأناساعدتني إصابتي السابقة في أن لا أصاب مرة أخرى، فظللتُ ملازمةً له.
عن التطبيع
في الـ29 من أكتوبر كان الحبيب مهمومًا بقضية التطبيع وقال إنّ لديه محاضرة، قمنا بتسجيلها وكانت أكثر من ساعتين، وفي صباح الجمعة قام بكتابتها في شكل مقال وظل في المكتب من الـ10 صباحًا وحتى المغرب، وخلال هذا الوقت كنتُ أدخل عليه وقلت له إن الفيروس “غدار” يجب أن تريح جسدك فقال : إذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام، وأنا لديّ رسالة، وهي أهم من أيّ شيء.
وتمضي رباح في حديثها قائلة: كان يقوم للصلوات فقط ويعود للكتابة وكتب مقاله (الحبل الرابط بين التطبيع والتركيع والتقطيع).
وتحدث في المحاضرة عن الإسرائيلين ومخططهم لتفكيك المنطقة لدويلات وأسالبيهم في تصفية من يقفوا ضد هذا المخطط لذلك قال الإمام أنهُ لا يستبعد أن يكونوا قد أرسلوا له من ينقل له عدوى الفيروس.
وحول السفر للعلاج للخارج عوضًا عن البلدان العربية تقول رباح هناك من كان يرى أن التأمين في البلدان العربية ليس عاليًا، ينطبق ذلك على السودان، مصر الإمارات، الحبيب كان ضد السفر، لكنهُ لم يكن من النوع الذيّ يصر على رأيه.
وأضافت: الشكوك كانت متعلقة بالعدوى نفسها، ووجد الإمام في الإمارات كل الرعاية ووجهنا لهم الشكر ولا زلنا.
أما اتهام شخصيات بعينها تقول رباح: إن الإمام في آخر الموجة الأولى استئنف نشاطهُ وقلل من الاحترازات وبدأ الناس في السلام عليه ، إذا كان هناك من يقصد نقل العدوى لن نستطيع معرفة ذلك.
وشرع حزب الأمة في تكوين لجنة تحقيق لمعرفة الخيوط حيثُ يرى الحزب بحسب رباح أنهُ مستهدف وكذلك قياداته.
تدهور صحته
وكما قالت رباح عن الفيروس “غدار، بدأ الصادق المهدي في حاجة للأوكسجين يوم السبت، والحوجة للذهاب للمستشفى وظل رافضًا لذلك ، ثم رضخ واتضح بعدها أن الرئة مصابة جدًا، وفي يوم الأحد قال للأطباء “عندكم من الآن وحتى الثامنة مساءً، أنا ما عاوز أقعد”، لكن الأطباء أوضحوا له مدى إصابته بالمرض وتأثر الرئة، فوافق على البقاء على أن يتم إحضار أوراقه له في المستشفى وكان لديه مقال عن دورالسودان كبلد لديه رسالة وقيمة وحضارة.
تعيد رباح سرد التفاصيل الأخيرة كأنّ الإمام ماثلٌ أمامها واقعًا حيًا رغم الصورة التي تعلو إحدى جدران المنزل تشير بوضوح إلى خيوط رحيله.
وتضيف: كان متابعًا وقتها للانتخابات الأمريكية وأصر على مشاهدة قناة cnn، وبدأت حالته تسوء، وكان خيار السفر مطروحًا قبل دخوله للمستشفى لكنهُ ظل رافضًا، كان يرى أنهُ مودع وأن هذا قدر ولا حاجة له للسفر للخارج، كانت هناك التزامات يقوم بها حيثُ قال لمساعده (تيمان) جهز ميزانية بالالتزامات المختلفة لمدة 6 شهورفقال له لماذا 6 أشهر،فقال الإمام:”أناعندي سفرة طويلة”.
السفر إلى الإمارات
قامت الإمارات العربية المُتحدة بإرسال طائرة يوم الأحد لكن الإمام الراحل رفض السفر ، ثم رضح بعد حديث عدد من قيادات الحزب والأسرة والأحباب.
وتقول رباح عن رفضه: يبدو أنه كان لديه إحساس ما، عندما اقتنع بالسفر استبشرت وقلت : الله أكبر ولله الحمد، ولكن استبشاري خبأ تمامًا عندما رأيت وجهه وكان به عدم رضا، كأنما يساق لحتفه،فقلنا له إذا لم تكن راضًا بالسفر هناك خيارات كثيرة المصريين، القطريين وكان هناك أيضًا خيار السفر لألمانيا وكان هناك من يرى أن لا يسافر لبلد عربي ويذهب لأوربا.
وتوضح رباح: الانطباع الذيّ وصلني أنهُ مسافر إرضاءًا للناس، عن نفسه لم يكن راضٍ.
وكشفت في حديثها لـ(باج نيوز) عن اتصال رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بـ فضل الله برمة ناصر وقال له قُل للإمام: (أنت لا حق نفسك، لا حق حزب الأمة، لا الانصار، أنت حق البلد وعلاجك مهمةالدولة، هنا النظام الصحي فيهو مشكلة وتسافر برة ودة على الدولة).وعندما أخبرناه بذلك قال أخبروه (دي المحرية فيك).
وأضافت: بشكل عام كان الإمام الراحل الصادق المهدي ضد فكرة السفر، وسافر الإمام الراحل وبرفقتهِ كلٌ من بشرى ومريم وحنين، بقي بشرى برفقته وتم عزل مريم وحنين في فندق.
تأملات في فقه السعادة والمشقة
في الـ5 من نوفمبر كتب الإمام الراحل مقالًا تأملات في فقه السعادة والمشقة والممات.
وتقول رباح: وأرسله لي بشرى، وحدثتني نفسي أن الحبيب مقالاتهُ تبلغ ذروتها في النهاية فبدا لي المقال كأنهُ ناقصًا لم أركز وقتها، وتم نشره وبعدها قال بشرى إن الصفحة الثامنة نعى فيها الإمام نفسه، فقال بشرى للإمام إن الناس خائفون عليك من الأفضل أن نحجبه عنهم .
وتحكي رباح عن متابعة والدها للانتخابات الأمريكية وعندما ظهرت النتائج الأولية بفوز بايدن كتب:هنيئًا للشعب الأمريكي والإنسانية جمعاء.
كان الإمام بحسب رباح مصر على العودة للسودان وقال إنه سيعود يوم الخميس.، لكن تدهورت حالته وفقد الوعي، وكان هذا هو اليوم الذيّ حدث فيه الانتقال.
اهتم الإمام في لحظاته الأخيرة بالعديد من الأشياء، منها بحسب رباح، مقال السودان، وطلب إعداد ورقةعن الأسرة كلها السبع آباء المؤسسين، ابناءهم وبناتهم وأحفادهم.
بدأ صوت رباح في الانخفاض تخرج الكلمات بوتيرةٍ بطيئة تتدافع الكلمات تقول: كنا نختم القرآن وندعو للإمام، وأثناء الخلوة كنت مشغولة أيضًا بتحضير الورقة التي طلبها عن الأسرة، ليل الأربعاء الـ25 من نوفمبر ساء وضعه، توقف القلب حاولوا إنعاشه، عاد النبض إلى قلبه، وفي الساعات الأولى من فجر الخميس وصلتنا رسالة من زوجة أخي حنين “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
الواقع السياسي ما بعد الإمام؟
ترى رباح أن الواقع السياسي ما بعد رحيل الإمام “مظلم” حيثُ اجتهد طيلة حياته في إرساء أسس المؤسسية، كان يمتنع عن قول رأيه.
وتضيف: كان من النادر جدًا أن يصوت في الانتخابات، ويرمي بورقةٍ خالية ، دوره لم يكن في حزب الأمة أو الأنصار فقط، بل الوطن والإقليم، ألقى غيابه بعبء كبير على الناس من بعده، الوطن، الحزب، والهيئة.
آخر وصايا الإمام
كان الإمام في آخر حياته مهمومًا بعددٍ من القضايا، ولكن للإمام وصيةٌ كتبت في مايو من العام 2018م، سُلّمت لأسرته بعد وفاته.
وتكشف رباح عن الوصية وفحواها في حديثها لـ(باج نيوز) قائلة: في أيام العزاء أتصل بنا قريبنا، رئيس الحزب في مصر عثمان البشرى الفاضل المهدي، أتصل ببشرى وقال له في العام 2018م أتصلت بي نجاة “موظفة في بيت الإمام في القاهرة”، وقالت إن هناك وصية من الحبيب، والتقيت بها بوسط البلد، وسلمتني الظرف فتح الظرف وجده وصية فحواها ماذا سيحدث بعد انتقاله.”أيّ الإمام”
وأضافت: عثمان البشرى عندما التقى بالحبيب سأله لماذا فقال، هذا ما لا مفر منه.
تسلمت أسرة الصادق المهدي الوصية، نسخة وليست أصل، لكنها خط الحبيب بحسب رباح، ولم يعرفوا بعد أين أصل الوصية.
وتقول: أقررناها ، وهي تحمل ما يقوله الإمام دائمًا، لا يوجد جديد، وتضمنت الوصية: أن يختار حزب الأمة رئيسه في المؤتمر العام الثامن، وتنتخب الهيئة إمامها في المؤتمر العام، أن تشرع أسرة المهدي في رابطة لأحفاد السبعة رجال وتحرص على الود والتراحم، وأن تمضي الأسرة في الصديقية وهي شركة تجمع أبناء المهدي، تكوين مجلس وصية من قادة أجهزة حزب الأمة، شؤون الأنصار، نائب الرئيس، الأمين العام، رئيس المكتب السياسي، أبناء الإمام وبناته وعدد من أطراف الاسرة.
كما تضمنت الوصية بحسب رباح، عودة القبة كمقر لهيئة شؤون الأنصار، وهيئة شؤون الأنصار منزل الإمام في ود نوباوي يكون وقف لمعهد للحوكمة.
وتقول: هذا مما كان يذكره الإمام كثيرًا، حيثُ يرى أن السياسة السودانية لن تمضي للأمام إذا كانت تأتي شخصيات لا علاقة لهم في الحوكمة وأصولها، المعهد مهم لتأهيل الساسة السودانيين، فالسياسة لها متطلبات أساسية للمعرفة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.