مني أركو مناوي يكتب: مرحبًا بالتاسع عشر من ديسمبر لتشحيم تروس الثورة
من الطبيعي أن يخرج الشعب السوداني متفاعلاً مع أعياده، احتفالا أو إحياء ذكرى. الآن و ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة تنقر على الأبواب، وهي من أندر الثورات المدنية التي شهدها العالم في التاريخ. إذ فككت كل ثورة الحلقات المغلقة لتصبح الثورة في كل بيت سوداني بالرغم من المقاومة الشرسة التي قابلت بها الحكومة حركة الجماهير. فاستطاعت ديسمبر أن تنسف كل الطرق التقليدية في سلوك دكتاتوريات عسكرية أو شموليات مدنية .
لذلك ندعو جماهيرنا للمشاركة لدعم السلام وحماية الفترة الانتقالية من اي محاولات تسلل من لصوص الثورات. هناك عدد من الأسباب الموضوعية التي تدعو للخروج والتفاعل في ١٩ ديسمبر مع الوضع في الاعتبار بعض نكهات السم في الدسم بعضها سياسية وأخرى آيدولوجية.
١- الخروج في هذا اليوم احتفاء بذكرى أعظم ثورة إنسانية ناضجة في التاريخ أزالت أكبر وأعمق الأنظمة الديكتاتورية في أفريقيا في القرن ٢١ وبها بدأ العد التصاعدي لتجربة ديمقراطية لتحقيق العدل .
٢- التاسع عشر من ديسمبر يوم يحق للجميع الاحتفاء به رافعا أي من الشعارات الثورة طالما هي حقوق مدنية أصيلة، أولها الاحتجاج على الأوضاع المعيشية التي أنهكت كل بيت وضاعفت المعاناة القائمة أصلا وهي لا تحصى، منها آثار الحروب وتركة الإنقاذ والأنظمة الأخرى والعبث النخبوي في السياسة السودانية.
٣- هذا اليوم يحق للشعب السوداني أن يترنم فرحا بعد خروجه من عزلة السنوات الطويلة بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي وضعنا فيها النظام السابق بسياساته المعتوهة، ويأتي القرار الأمريكي بالتزامن مع ذكرى الثورة المجيدة ليصبح الاحتفاء بذكرى الثورة احتفالا بعودة السودان للأسرة الدولية بعد عقود عددا.
٤- هذا اليوم قصير لكنه طويل في مضامينه، بداية من السلام الذي تم توقيعه في جوبا وأساسه وقف الحرب فهو بداية لنهاية الماساة لأهلنا في دارفور والمنطقتين وبشرى للاجئين والنازحين بالعودة إلى المناطق التي يختارونها واستئناف حياتهم مع ممارسة حقوقهم المدنية بتعويضهم المنصف. كما هو يوم بمثابة لوحة تكتب عليها كل المطالب تتقدمها الخدمات الأساسية التي عجزت الحكومة توفيرها وهي :- الأوضاع المعيشة، الصحة، التعليم والأمن.
٥- التاسع عشر من ديسمبر يوم يرفع فيه الشعب شعار العدل مذكّرا بمحاسبة الجنة والمجرمين . فهو أمر يجسّر للعبور إلى ديمقراطية يحكمها دستور دائم تنعكس في صفحاته هوية سودانية جامعة غاب التعبير عنها منذ استقلال البلاد.
٦- التاسع عشر من ديسمبر يوم يرفرف فيه الشعار الذي لم يمت وقعه. حرية، سلام وعدالة، وقضايا أخرى لها حيز كبير وسط المحترفين بالذكرى الثانية للثورة ولم تذكر هنا .
*- بالمقابل، هنالك قضايا أخرى مدسوسة على راسها النية المبيتة لإسقاط الوثيقة المعدلة التي عدلت بواسطة اتفاق جوبا فهذا ظل مطلب عدد لا يُستهان به من محرضي القوي السياسية التي تنظر للسلطة على غرار ( لي حبيب شاغل بالي دايما محطم آمالي )
*- ونذكر تلك الأصابع في الكيبورد التي تسهر لإجهاض الفترة الانتقالية لتجاوز الديمقراطية طالما هي متيقنة بانها لا تستحق لهذه جميلتها المستحيلة التي عثر عليها مقشرة في غفلة من الزمن. هذه الأصابع تصارع صراعاً مميتا لإبقاء الوضع بهذه السيولة والتمييع لأطول فترة ممكنة للحصول على تمكين بديل كامل الدسم وهي تعلم بصعوبة الحصول عليه بدون فوضى .
ختاماً
تشتد الصراعات بين النخب السودانية لترتد آمال الشعب قبل بلوغ القمة بين الأنظمة العسكرية الدكتاتورية والمدنية الشمولية ليبدأ المشوار من الصفر.
هذه ليست خلاصة جدلية إنما نتيجة للتجربة الحية التي بدأت من يوم الجلاء ولم تستقر بعد . وبين هنا وهناك محطات عبارة عن فواصل تاريخية مثل أكتوبر 1964وأبريل 1984 وأبريل 2020 .
فهذا مشوار السنين يكفي أن نخرج من حالة المؤلفة قلوبهم إلى الإيمان القاطع الذي يقودنا لتأسيس حقيقي يجب أن يبدأ بحوار مشرق مثبت باعترافاتنا بأخطائنا السياسية ومن ثم نبحث الحلول التي هي في متناول اليد .
التاسع عشر من ديسمبر ليس للمساومة ولا للمزايدة إنما هو يوم وطني شرقت فيه شمسنا ووجوب خروج الشعب فيه يكمن في تشحيم تروس الفترة الانتقالية لتسهيل إكمال المؤسسات التنفيذية والتشريعية وبناء حكومة منسجمة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.