باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

عادل عبد الرحمن عمر يكتب: كلنا مخطئون عزيزي ياسر عرمان

3٬505

العاشقون الموحدون في جامعة القاهرة بالخرطوم أوائل الثمانينيات من القرن الماضي حتى منتصفه حيث كنا في نهايات العقد الثاني من العمر… و التجارب في بداياتها ثرة و ندية ، والمواهب تفتح أشرعتها للجراءة و التمرد ، و الجامعات آنذاك تضج بالحيوية والفعل المثابر في السياسة والاجتماع .
و من العاشقين الأجمل على الإطلاق قصة الشاعر الصديق “محي الدين الفاتح” و حبيبته و زوجته من بعد “نادية الحاج”، التي وثقت بسفر عظيم “أتطلع لامرأة نخلة”.
أجمل ما في جامعة القاهرة “الفرع” أن الحب متاح سراً وعلانية في مجتمع محافظ أغلب طلابه من البنين والبنات من الأقاليم البعيدة والقريبة .
إلتقينا بياسر عرمان، هو في أقصى اليسار، ونحن في أقصى اليمين، إلا أن الحب المتدفق على جنبات الجامعة جعل الصراع بين الفرقاء أقل توتراً و أقرب رحُما -إن جاز التعبير -، حيث لم تشهد الجامعة حوادث و معارك دامية إلا بعد أن تخرج جيل كامل مكث في الجامعة من ١٩٨١-١٩٨٥ .
لا أذكر متى بدأت صداقتنا بياسر عرمان أنا و الراحل “معتصم الفادني” رضوان الله عليه ، برغم أن “ياسر” في ذلك الوقت كان نائياً ومستوحشاً و ثورياً أكثر من اللازم، و معاركه ليست مع الإتجاه الاسلامي فحسب، بل تتعداه للحزب الشيوعي نفسه ، الذي قسّمه إلي قسمين، الجبهة الديموقراطية “أ” و “ب” حيث صدرت صحيفتان لذات الحزب في كافتريا النشاط.
يبدو أن نوازع الثورية و الانفصالية لياسر عرمان قد بدأت مبكراً.
لا أدعي معرفة عميقة به، لأن الخصومة في ذلك الوقت سافرة للغاية….
و الذي أُتيح لنا في ذلك الزمان كافياً ليجعل الوصل ممدوداً برغم الانقطاع الطويل بيننا، فجعله متمرداً شقياً ثم مرشحاً لرئاسة الجمهورية إلى داعٍ لعدم إقصاء الإسلاميين بعد حملة شرسة و ثقيلة و مدمرة عليهم، لا يستطيع فعل ذلك إلا الكارهون بسبق طويل للإسلاميين أو مَن له سجل طويل في التمرد على سلطة الإنقاذ.
في اعتقادي أن أجيالاً متعاقبة تربت على الأخطاء السياسية منذ الاستقلال و زدنا فيها “كيل بعير” ، فمثلاً أركان النقاش تُعلم التبرير للموقف و الدفاع عنه بوسائل مشروعة أو غير مشروعة حيث الوسيلة تقوم على التكتيك في الدفاع و الهجوم على الآخر حتى الانتصار عليه بالضربة الفنية القاضية.
الشيوعيون المعروفون آنذاك لا يقربون دار الإتحاد كثيراً عكس بقية أهل اليسار من ناصريين و بعثيين، حيث غالب الشيوعيين يجلسون و يتسامرون و يتآمرون في سلم كلية الحقوق الحديدي الشهير ، ياسر لا يفارقه إلا ليجلس بالقرب من المدرج المقابل للكافتريا الجديدة التي أنجزها إتحاد الاتجاه الاسلامي الذي كنا أعضاء فيه.
كان يُجالس زميلة له كنت أراها متواضعة الجمال ولا أعرف بأي مقياس ، حيث كنت أعتقد أن ملازمة زميلة على طول الخط يعني” علاقة حب و من ثم زواج” ، وهذه سذاجة تاريخية أدركناها في قادمات الأيام ، و لذا استغربت منه حيث كان نجماً سياسياً في أركان الجامعة و له ميزة تفضلية أن يختار من جميلات الجامعة كيف يشاء وهذه أيضاً سذاجة و طفولة متأخرة مني، فأدركت في العقد الثاني من عمري أن جمال المراة له أبعاد اخرى لا تدركها الأبصار .
مضى ياسر عرمان مع الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى انفصال الجنوب مؤمناً برؤية الراحل جون قرن الذي أودى بحياته حادثة الطائرة المؤسف، لم ينفصل الجنوب بالمشاكسات السياسية بين المؤتمر الوطني و الحركة و لا عناد د.نافع و شراسة باغان أموم ، ولا عدم إدارة التنوع الثقافي الاثني،ربما يكون من كل هذه المسائل شيء ما لكن في تقديري أن النخبة السودانية سواء كانت شمالية أم جنوبية هي السبب الرئيس في انفصال الجنوب ، مما يعني يا “ياسر” سقوط مشروع الحركة الشعبية لتحرير السودان ،بدليل لمّا أختفى العدو الشمالي بفعل الاستقلال، إنتقلت كل الأمراض السياسية و الأوبئة المزمنة من حرب أهلية و فساد و تمييز للدولة الوليدة.
من هذا المدخل يسقط مشروع الحركة الشعبية في تحرير السودان مثلما سقط مشروع الانقاذ بعد أعوام إمتدت لثلاثة عقود كانت لها إنجازات داوية، و هزائم موجعة .
فرقنا الزمان يا صديقي و تزوجت أنت سودانية جنوبية إنتصاراً لفكرة ما ، بينما تزوجت أنا بنت الجيران إنتصاراً للأغاني الرومانسية التي كبرنا عليها للراحل “عبد العزيز مبارك” ” يا أحلى جارة”.
سقوط المشروعين نسبي و يحتاج لدراسة عميقة يساهم فيها بشكل فردي من عندنا بروف “التجاني عبد القادر ” و ربما يساهم د.الشفيع خضر مقاتلاً و مغضوباً عليه لوحده و يتجاوز ذلك للكثير من أبناء الوطن الرائعين.
من التجربة الطويلة التي خضتها حرباً و سلماً و تواصلاً و معرفة بالفرنجة من المؤكد أن هذه المشكلات لا يحلها أهل اليسار أو اليمين إنما تقتضي رؤية شاملة من كل السودانيين و لا يمكن أن نقصي فيها فريقاً دون فريق و بها ركائز أساسية لا تستقيم الحياة دونها….مثلاً فيما ندر في الحياة السودانية أن سكيراً عربيداً مات دون توبة نصوحة، و إذا قُدر له أن يفنى فتجد له أفعالاً خيّرة لا يدركها كل الناس تكون له مع الله مخرجاً.
ياسر أنت في موقع يؤهل لمقاومة الإقصاء و إدراك الأخطاء السياسية التاريخية سواء اليسار أو لليمين والاتيان بمشروع وطني يقوم على الحرية و السلام و العدالة، هذا عبء ثقيل على جيلنا الذي نزعته “الأيدولوجيا” و قد قال محمود درويش “الأيدولوجيا مهنة البوليس”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: