الطاهر ساتي يكتب: إيقاف العمليات..!!
إليكم
الطاهر ساتي
إيقاف العمليات..!!
:: بالنيل الأبيض، على سبيل المثال، أصدر المدير الطبي بمستشفى كوستي، قراراً بإيقاف العمليات المجدولة، لانعدام أدوية التخدير، مع استمرار عمليات الطوارئ، والتي على وشك نفاد أدويتها أيضاً.. والجدير بالذكر، انتشر خطاب المدير الطبي لمستشفى كوستي، كما مقطع الفيديو الشهير، والذي يتحدث فيه سائقو شاحنات عن عجز إدارة الصندوق عن تفريغ محاليل وريدية، لعدم وجود أماكن خالية بالمخازن لتخزين أدوية إضافية..!!
:: وبعد انتشار ذاك المقطع، زار وزير شؤون مجلس الوزراء عمر مانيس، صندوق الإمدادات الطبية ومخازنه، وكذلك أصدر رئيس الوزراء، قرار إعفاء عفاف شاكر مدير صندوق الإمدادات المكلف، هكذا كان تأثير المقطع.. ليبقى السؤال، هل يكون لخطاب المدير الطبي لمستشفى كوستي مثل هذا التأثير، بحيث يزور عمر مانيس كوستي وغيرها من المناطق التي تُعاني مشافيها من فجوة دوائية بلغت مداها إيقاف العمليات لعدم توفر أدوية التخدير..؟؟
:: وهل يكون خطاب المدير الطبي بمستشفى كوستي بذات تأثير مقطع شاحنات أدوية الإمدادات الطبية، بحيث يصدر رئيس الوزراء قراراً بإعفاء المسؤولين العاجزين عن توفير الأدوية، ومنهم وزير المالية المكلف ووزير الصحة المكلف ومحافظ بنك السودان والأمين العام لمجلس الأدوية؟.. بالتأكيد (لا).. لن يتفقد الوزير مانيس ولايات السودان ومشافيها ليقف على حجم الفجوة الدوائية ومخاطرها، وكذلك لن يتأثر رئيس الوزراء بخطاب كوستي لحد إعفاء المسؤولين عن الفجوة الدوائية..!!
:: ولو أجمعت مشافي كل ولايات السودان على إيقاف العمليات، لحد تكدس الشوارع بالموتى، لن يتأثر السادة بالسلطة المركزية، ولن ينفعلوا كما انفعلوا مع حدث تكدس حاويات المحاليل الوريدية في الخرطوم.. فالسادة الذين نلقبهم بالمسؤولين عن السودان يحكمون (الخرطوم فقط)، ولا يبالون بمآسي الولايات التي من شاكلة إيقاف العمليات لانعدام أدوية التخدير.. عفواً، لا يحكمون كل الخرطوم، وليتهم كانوا كذلك، بل يحكمون ما يقع تحت أيديهم وعيونهم فقط، ثم محيط مكاتبهم ومنازلهم، وتقاطعات مصالح النافذين منهم..!!
:: استهلاكنا الدوائي، مقارنة بكل الدول العربية وبعض الأفريقية، ليس مُزعجاً ولا عصياً على الحلول.. وبغض النظر عن الأرقام الفلكية التي تطلقها شركات الأدوية، فإن ما تستهلكها بلادنا من الأدوية سنوياً لا تتجاوز قيمتها (300 مليون دولار)، منها القطاع الخاص (200 مليون دولار)، والصندوق القومي للإمدادات الطبية (100 مليون دولار)، أما استهلاك قطاع الصناعة الوطنية فلا يُذكر، مثل إنتاجها تماماً..!!
:: لعجز الدولة عن التشجيع، لم يتجاوز إنتاج الصناعة الوطنية من استهلاكنا الدوائي (16%).. وبالمناسبة، نسبة إنتاج مصر من استهلاك شعبها (90%)، وسوريا قبل الحرب (94%)، والمغرب (85%) و.. و.. كل الدول العربية تكاد تكتفي وتصدِّر (لنا).. ثم تُقدّر منظمة الصحة العالمية متوسط الصرف على صحة الفرد في العالم بـ(74 دولاراً)، وقيمة الرعاية الصحية الأساسية التي يجب أن يُحظى بها الفرد في دول أفريقيا بما يعادل (17 دولاراً)..!!
:: ومع ذلك، فإنّ نصيب الفرد في السودان من الرعاية الصحية لا يتجاوز (7 دولارات)، ثم يتم هذا الفرد ما تبقى من العلاج والرعاية بالأدوية المغشوشة أو بالمحايات والأعشاب والدجل والشعوذة.. ما يُحزن هو أن بلادنا تقع في سياج دول أفريقية تصرف الكثير على الاستيراد الدوائي، وعقول الصيادلة قادرة على سد حاجة هذه الدول والتي تجاورها.. ولكن ناهيك عن صناعة الأدوية وتصديرها، بل أن إرادة الأنظمة أضعف من أن توفر أدوية التخدير بالمشافي، لتتوقف العمليات لحين توفيرها أو موت المريض..!!
صحيفة (الصيحة)
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.