د. عبد اللطيف البوني يكتب: ارجعوا البدوي
حاطب ليل
د. عبد اللطيف البوني
ارجعوا البدوي
(1)
لقد جرى صراع حقيقي وعنيف بين اللجنة الاقتصادية لقحت والحكومة ممثلة في رئيس وزرائها وطاقمها الاقتصادي حول المذهب الاقتصادي الواجب الاتباع في الفترة الانتقالية، فاللجنة كانت ترى الرجوع الى سيطرة القطاع العام ليس على قطاع الخدمات من صحة وتعليم فحسب، بل على أدوات الإنتاج وهذا ما كان يعرف قديما بالاشتراكية مع بعض التنازلات، أما الحكومة فقد كانت ترى الرضوخ لتوصيات صندوق النقد الدولي القائمة على انسحاب الدولة من قطاع الخدمات ومن قطاع الإنتاج معا وتركهما للقطاع الخاص وهذا ما كان يعرف بالتوجه الرأسمالي مع بعض التنازلات . متبنو هذا المذهب يطلق عليهم الآن الليبراليون الجدد. لكل من المذهبين حججه وبراهينه على نجاعة منهجه لا بل وشواهد وبالفعل نجحت بعض الدول وعبرت بسيطرة القطاع العام كذلك نجحت دول أخرى وعبرت وهي تتبنى الليبرالية الجديدة، ولكن مشكلتنا في السودان أننا كنا نرتدي جبة مرقعة من المذهبين وظللنا لا يصين بينهما ففقدنا محاسن المذهبين وتراكمت فوقنا سوءاتهما خاصة في أيامنا هذه.
(2)
أخيراً وبعد جري ونطيط وخوف ورجاء حسمت الحكومة معركتها مع اللجنة بالضربة القاضية وهي تعلن وتطبق تحرير أسعار الوقود وبهذا تكون الحكومة (جات من الآخر) فما تبقى من مدرسة الصندوق مجرد (تهابيش) وأصبحت اللجنة الاقتصادية في وضع لا يحسد عليه فتمثل رد فعلها الغاضب في المطالبة بطرد الطاقم الاقتصادي لتحل هي محله، ولكن في تقديري أن في هذا ترقيعا سياسيا والرياح السياسية من تطبيع وغيره لا تهب في أشرعة قحت نفسها ناهيك عن اللجنة الاقتصادية. وبما أن بلادنا من الهشاشة بمكان فالرأي عندي ان يستسلم الجميع للأمر الواقع لا بل دعم الحكومة في توجهها الجديد كي تعبر بالبلاد بأقل خسائر ممكنة.
فمن يدري فقد تتبسم لنا الأيام ونصبح مثل رواندا وغانا وسيراليون فكل هذه الدول اتبعت سياسة الصندوق عن طريق الليبرالية الجديدة، بعبارة أخرى خلونا يا جماعة النجرب الدواء دا لا سيما وأن الرياح الدولية لا بل واقع سياستنا الخارجية الجديدة من رفع وتطبيع وقبول دولي وإقليمي يهب في هذا الاتجاه.
(3)
شخصيا أرى أن وقوفنا مع السياسة الصندوقية الجديدة أشبه بالاستسلام لأنني كنت وما زلت من مدرسة سيطرة القطاع العام ولدي دفوعاتي الخاصة ولكن أعتقد انه قد سبق السيف العزل، فبالتي لابد من أن نصبح مثل أم الولد في القصة المعروفة، وهذا يستلزم أن نمضي مع السياسة الجديدة الى آخر الشوط وبالتالي لابد من الكف عن مضايقة المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة والمستثمرين الأجانب وفرض الضرائب الباهظة على المنتجين كما يحدث اليوم في مشروع الجزيرة، حيث النية تتجه لإعادة السرايات وترضية الأشخاص على حساب الكراكات والقنوات المتصدعة، أما ناحية إجرائية فإنني اقترح عودة الدكتور إبراهيم البدوي الذي راح ضحية للصراع المشار إليه أعلاه، فالعبد لله من أكثر الذين هاجموا البدوي في هذه المساحة وانتقدوا سياساته، فالآن تأكد انه كان يستبق السياسة الجديدة وها قد طبقت هذه السياسة والرجل عالم من علمائها ومن خلال قراءة بعض أوراقه أجزم بانه أحد فلاسفة الليبرالية الجديدة، وفي هذا فهو ليس تابعا للصندوق بل أصيلا. من المؤكد أن هناك علماء اقتصاد سودانيين لا يقلون كفاءة ووطنية عن البدوي ولكن البدوي يمتاز عليهم بأنه أصبح على علم ودراية بالتفاصيل الدقيقة لأن الشهور التي أمضاها في الوزارة كانت كلها صراعا بين المدرستين.
نقلاً عن (السوداني)
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.