(ما أغبانا!!)
رحاب فضل السيد
بدخول السودان هذه المرحلة المهمة من تأريخه الحديث وهو يكسر جدر العزلة المضروبة حوله منذ عقود بسبب جريرة تهمة الإرهاب كأثقل تركة ورثتها حكومة الثورة وما صاحب ذلك من موافقة السودان على إقامة علاقة مع الدولة الإسرائيلية ، ظهرت أصوات معادية لهذه الخطوة وانبرت لمعارضتها وتبخيسها وأظهرت شفقتها وتعاطفها مع القضية الفلسطينية أكثر من الفلسطينيين أنفسهم ، أو كما قال الأديب الطيب صالح (نعيش على هامش العالم العربي ونلزم أنفسنا بتبني قضاياه .. فما أغبانا !!) فالسودان يكاد يكون الدولة الأكثر تطرفاً في ولائها ودعمها للقضية الفلسطينية ، والشعب السوداني يدفع ثمن ذلك عزلة وتضييقاً وشظفاً في العيش ، وحرمنا بسبب ذلك حتى من العلاج وقطع غيار الأجهزة الطبية دون أن تتبنى أي من العواصم العربية مسيرات التنديد والإدانة ، بل على العكس كان الموقف العربي مخزياً مبنياً على حسابات الربح والخسارة والمصالح وتجازبات المحاور الشريرة خاصة إبان بداية الحراك الثوري وحتى صعود الثورة إلى هرم النجاحات.
بالتأكيد تنهض الدول وتبنى بإعلاء المصلحة الوطنية ووضعها موضع التقديس حتى تأوي إليها أفئدة الحكام والمعارضين قبل الشعوب ، تتقاصر أمامها هامات الأنانية ، ووتتساوى عندها المشاركة في حصة الوطن ، لا بالعواطف والتعاطف الأبله ، وبالمقابل تفشل البلدان وتتقاعد بإخفاقات النخب عندما تتقاطع المصالح الإيدولوجية وتتعرى أمام أول إختبار لقيمة الوطنية.
لا أرى حرجاً في أن تقرر الحكومة الإنتقالية الدخول في إتفاق سلام مع الدولة الإسرائيلية طالما الحكومة مفوضة بموجب الوثيقة الدستورية والتي حوت نصاً: (وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها)، فقد آن للسودان أن يمارس إستقلاليته وفق ما اقتضت المصلحة التي تؤمن لشعبه حياة كريمة طال إنتظارها وعانى في سبيل الحصول عليها ما لم يعانيه من نصبنا أنفسنا أولياء للدفاع عن حقوقهم وقضاياهم ، وهاهم يدلقون على صفحات السوشيال ميديا ماكان عالقاً في دواخلهم من حقد وحسد ، ومع ذلك سيظل السودان حكومة وشعباً متمسكاً بالأسس والمبادئ التي تحكم علاقاته مع الشعوب والدول دون الإضرار بمصلحة وسيادة أي دولة أو شعب.
وهكذا تتنسم الخرطوم فجراً جديداً يملأ الأفق ببشريات نضرة بعد أن كانت تقبع لأكثر من نصف قرن في خانة لاءاتها الثلاثة حيث لا سلام ولا اعتراف ولا تفاوض مع اسراائيل، وربما هذا الواقع الجديد الذي يكون قوامه (نعم) هو المخرج الأوحد للدولة السودانية من عنق تلك الزجاجة اللعينة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.