ضياء الدين بلال يكتب: (استهبال أمريكي)!
العين الثالثة
ضياء الدين بلال
(استهبال أمريكي)!
-١-
المعطى المُهم في مُعدّلات السياسة السودانية: الدورة التاريخية لحكم الإسلاميين انتهت في ١١ أبريل، ولا عودة لعقارب الساعة للوراء.
ليس أمام الإسلاميين من خيار سوى تكييف أوضاعهم على تلك الحقيقة:
ليس بإمكانهم العودة للسلطة بتنظيمهم القديم ولا بلافتاتهم المعروفة.
لا عبر صناديق الانتخابات ولا صناديق الذخيرة، ذلك ليس بسبب ما يجدونه من رفضٍ وعداءٍ إقليمي ودولي فقط.
تجربتهم في الحكم، خاصّةً في السنوات الأخيرة، أحدثت قطيعة نفسية عميقة بينهم والقطاعات المُجتمعية الحَيّة.
-٢-
في المُجتمع السوداني نسبة الشباب تقارب الـ(٦٥٪) ،حسب آخر إحصاء سكاني.
لم يكن للإسلاميين خطابٌ مُقنعٌ، ولا برامج مستوعبة ولا إجابات حصيفة، لأسئلة هذا الجيل الذي ينظر إلى العالم عبر شاشات ذكية.
لا خيارٌ أمام الإسلاميين سوى إعادة التفكير في جدوى الفكرة والمشروع.
ولن يحدث ذلك إلا بمُمارسة نقد ذاتي صادق وقوي وجريء، يُعيد فحص المُسلّمات التي قام عليها حكمهم خلال ثلاثين عاماً.
-٣-
مع كل تلك الأخطاء وثقل إرث التجربة، ليس بالإمكان إقصاء الإسلاميين تماماً من المسرح السياسي.
سيظل تأثيرهم باقياً وأثرهم ممتداً ولكن دون الوصول إلى السلطة.
صحيحٌ، أداء الحكومة الانتقالية جاء بائساً ومُحبطاً ودون طموح القاعدة الاجتماعية التي صنعت التغيير.
وربما لا تستطيع الحكومة الراهنة، إكمال دورتها في الحكم وهي على ذلك النحو من الضعف والوهن والعجز عن تلبية طُمُوحات الناس.
مع كل ذلك، لا يعني المترتب التلقائي لفشل الحكومة الانتقالية، الاستعداد الجماهيري لإعادة حكم الإسلاميين مرة أخرى.
-٤-
الإدارة الأمريكية، فرضت عقوبات رمزية على قيادات من العهد السابق بدعوى إعاقتهم للفترة الانتقالية.
الحقيقة التي يعرفها الجميع: الإسلاميون الآن في أضعف حالاتهم، هم في وضع دفاعي، لم يغادروا محطة الصدمة بعد.
غالب قادتهم في السجون، وبعضهم مُشرّدون في المهاجر، ومن هم في الداخل مُطاردون أو في حالة كمون.
العقوبات الأمريكية المُعلنة أخيراً، محاولة بهلوانية خادعة، للاستعاضة عن الدعم الحقيقي، بدعم رمزي غير مُجدٍ!
-٥-
لو صدقت واشنطن مع نفسها ومع الحكومة الانتقالية، لأقرّت بأنّ ما يترتّب على بقاء السودان في قائمة الإرهاب هو أكبر مُعيق من كل المُؤامرات الداخلية ، الواقعية والمُتخيّلة!
المنطق بسيطٌ ومُباشرٌ: الاتهام بدعم الإرهاب كان مُوجَّهاً في الماضي لنظام مُحدَّد بحيثيات معلومة.
سقط النظام المعني بالاتهام ، ورئيسه وكبار قادته في السجون، فما الذي يجعل الاتهام واقفاً على ساقيه والعقوبات مُستمرَّة؟!
كان بإمكان الإدارة الأمريكية بطبيعة النظام الرئاسي ذي الصلاحيات الواسعة، تسريع مُهمَّة رفع السودان من قائمة الإرهاب، عبر عدَّة طرق، طالما أنّ الخطوة لها قاعدة قبول واسعة داخل الكونغرس، وهنالك إرادة سياسية داعمة لها.
-٦-
مع كُلِّ الزيارات واللقاءات التي أجراها قادة الحرية والتغيير وقيادة الدولة في واشنطن، لم يتحرَّك الموقف الأمريكي أبعد من تقديم الوعود وبعض المُلطِّفات محدودة الأثر.
لم تتجاوز علاقات الحكومة الانتقالية مع المجتمع الدولي إطار الزيارات المُتبادلة والمُجاملات المُثلَّجة والاحتفاءات المراسمية والتقاط الصور.
أما الدعم المالي فهو شحيحٌ ومحدودٌ، لا يحل أزمةً ولا يفرج كُربة.
أوضح ملمحٍ عملي للتطبيع مع أمريكا، لم يتخطَّ التدشين لافتتاح مطاعم كنتاكي في الخرطوم!
-أخيراً-
الأدهى والأمر.. واشنطن المُتصالحة مع طالبان، الحامية والداعمة لأسامة بن لادن إلى مقتله، تفرض في المُقابل على الخرطوم غرامات مالية، تضطر لدفعها مُرغمةً وصَاغرةً، من أموال المعاشيين!
(في استهبال أكتر من كده)؟!!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.