تعاني بلادنا وتركيبتنا السياسية من مشاكل تمنع إنتاج حكم ديمقراطي مستقر ومستمر في بلادنا، اهمها: أحزاب غير مكتملة الديمقراطية، صراع عدمي صفري بين غلو إسلاموي وتطرف علمانوي، مجتمع يمارس الثقافة الأبوية وينتشر فيه الجهل والأمية، حروب أهلية، اقتصاد منهار، وسط إقليمي لا يتبنى الديمقراطية ولا يدعمها .
هذه المشاكل افشلت محاولاتنا المتكررة لانتاج حكم ديمقراطي في السودان بعد الاستقلال ثم بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ و بعد ثورة أبريل ١٩٨٥ ، استمرار هذه التحديات يعني فشلنا مجددا في إنتاج حكم ديمقراطي بعد ثورة ديسمبر الراهنة، مما يتطلب مواجهة صريحة لهذه التحديات وبأفق مفتوح قابل للمساومة والمرونة.
بعض المشاكل حلولها ممكنة وبعضها يمكن تجاهله، السلام يمكن الوصول الى اتفاق حوله وتنتهي الحرب الأهلية ، الدور الإقليمي غير الداعم للديمقراطية من حولنا يمكن تجاهله، و لكن هناك مشاكل لا يمكن العبور فوقها اطلاقا لبناء الديمقراطية، لا يمكننا على سبيل المثال أن نقيم دولة ديمقراطية في ظل الصراع العدمي الاسلاموي العلمانوي، لا يمكننا ان نقيم ديمقراطية بنقابات غير مستقلة تهيمن عليها الأحزاب السياسية كما حدث في تجمع المهنيين المختطف بانتخابات مخجوجة لصالح الحزب الشيوعي، لا يمكننا أن ننشيء ثقافة ديمقراطية بين يوم و ليلة في مجتمع يمارس بعمق الثقافة الأبوية وبواسطة احزاب سياسية ناقصة الديمقراطية.
حتى لا نعيد تكرار الفشل السابق ، يجب أن نواجه بصراحة هذه المشاكل المكلفة وان نسعى إلى مواجهتها كشعب وكسياسيين، وان نوجد لها حلول مستدامة، اولا لابد من إنهاء الصراع العدمي بين الاسلامويين والعلمانويين فهو صراع لا يمثل سوى قلة من الشعب السوداني، صراع أنتج مايو اليسارية في ١٩٦٩ وانتج الإنقاذ الاسلاموية في ١٩٨٩ والاثنان كانا انقلابان على حكم ديمقراطي شرعي، مواجهة هذا الصراع جماهيريا وسياسيا مهم جدا لاستدامة الديمقراطية في السودان، التياران المتصارعان عليهما ان يقدما للشعب السوداني براهينا تؤكد ايمانهما بالعملية الديمقراطية واستعدادهما لممارستها وعدم الانقلاب عليها، المصالحة والحوار بين الطرفين احدي الوسائل والبراهين المطلوبة، غير ذلك فإن الطرفان متهمان بانهما مهددان للعملية الديمقراطية ولا يتوقع استقرار حكم الشعب أو استدامة الديمقراطية في ظل وجودهما معا في السودان.
تمنيت أن يناقش ملتقى جامعة الخرطوم للبناء الوطني مثل هذه المفاهيم بدل أن يسمح للبعض بتصدير لغة الصراع مجددا كما فعلت الأستاذة اسماء محمود محمد طه وهي تدعو الشباب للثورة على المساجد واعضاءها ودعم العلمانية، الجامعات السودانية والخبراء السودانيين مطلوب منهم الآن العمل على مناقشة فرص بناء سودان ديمقراطي بعيدا عن صراع ( اسلامي – علماني ) .
في هذا الوقت يحتاج السودان إلى خبراء وكوادر ومؤسسات و مراكز بحوث، تهتم بتشخيص حالة الوطن التاريخية وتحدد التحديات التي تواجه بناء النظام الديمقراطي المستدام، وهي لن تخرج مما ذكرنا في المقدمة، التغيير الذي صنعه الشارع في ثورة ديسمبر هو نفسه التغيير الذي صنعه الشارع في عام ١٩٦٤ وفي عام ١٩٨٥، اذا لم يتم صنع مقاربة جديدة لكيفية مواجهة مشاكل الوطن التي تمنع الديمقراطية فإن مصير ثورة ديسمبر لن يكون مختلفا عن مصير ثورة أكتوبر وثورة أبريل.
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.