كنداكتان تؤديان اليوم رسمياً يمين التولّي على ولايتي”الشمالية ونهر النيل”.
فانتزاع سيدتين لمنصبي “والي” من فك ذكور السياسة الذين انقضّوا الآن بقضّهم وقضيضهم على مقاعد الولاة الثمانية عشر مُتهافتين.. ليس حدثاً عابراً بالضرورة.
فالحُكم في سودان ما بعد الاستعراب صار شأناً ذكورياً محضاً، لا يجوز ولا ينبغي للنساء أن يحدّثن أنفسهن بتسنّم شُمِ ذراه، أو باعتلاء مراكز قراره، خاصة المُتصّل منها بأمانِ الناس من الخوف، وحتى جدارة إطعامهم من جوع.
فذكور الساسة في السودان على رعونتهم وطيشهم، واستبدادهم وفسادهم، بل وتاريخ سفكهم الدماء، ثم وعلى ضآلة وبؤس كسبهم لبلادِهم على طريق التطوّر والنماء، لا زالوا يتوهَّمون في أنفسهم حكمةً وقدرةً على الحكم والإدارة لا تتوفّر لدى النساء.
رغم أن لنساء السودان تاريخاً في الحُكم ضارب بجذوره في القِدَم.. وكما هو معلوم فإن ملكات مملكة مروي كان يطلق عليهن لقب “كنداكه” ذات هذا اللقب الذي أعاده إلى الحياة والوجود مُجدّداً دور المرأة السودانية المشهود في ثورة ديسمبر المجيدة.
فقد جاء بسِفر (أعمالِ الرسل) الإصحاح الثامن:
“وإذ برجل من إثيوبيا، كان وزيراً ببلاط الملكة كنداكة، والمؤتمن على جميع خزائنها”.
والثابت من ذِكر الملكة كنداكه أن المقصود بأثيوبيا هنا هو السودان الحالي.
ويشرح الأب “فانتيني” الإيطالي هذا النص الذي وردت فيها كلمة الحبشة، بقوله:” القنداقة ملكة الحبش، هي ملكة مروي كبوشية، لأن هنالك عدداً من الوثائق تؤكد أن هذا اللقب يختص بملكة مروي كبوشية”.
المُهم فإن ازدراء الرجال اليوم بحكم النساء عموماً، لن يمحو على أية حال تاريخاً تليداً لنساء هذه البلاد في الحُكم امتد لآلافِ السنين وثّق له مؤرخون أفذاذ، وأشارت إليه كُتب مقدسة قديمة في معرض تمجيدها لعظمة شعب كوش الذي ارتضى حكم نساء.
وأتصوّر أن القمرَ بات أقرب لأن يُصبح سودانياً بصعود هاتين السيدتين إلى مراقي الحكم المباشر، لأن حكم النواعم كما أظن لن يأتي بأسنانٍ حادة كالتي أفسدتْ علينا مُتعتنا بالأشياء.
فقد سُئل الدكتور منصور خالد الذي شخّص في مقال مُهم “نواقص أهل السودان الذاتية” هذا السؤال:
هل سيُصبح القمر مواطناً سودانياً؟؟ على خلفية بيت شعر لفولتير يقول : “لو كانت أسنانكم بهذه الحدة فإن القمر لن يصبح مواطناً فرنسياً”.
رد منصور:
نحتاج إلى فولتير لكيما يُصبح القمر مواطناً سودانياً.
هذه مقولة فولتير وكما تحتاج إلى فولتير تحتاج إلى روسو وتحتاج إلى ثورة حقيقية تُحقّق للإنسان ما يطمح إليه من أي حاكِم، وبدون شك مَررنا بتجارب كثيرة ولكننا لم نتعلّم من هذه التجارب وفي كل العهود نُكرر نفس الأخطاء فالأنظمة العسكرية تُكرّر أخطاء الأنظمة العسكرية، والأنظمة الديمقراطية تُكرر أخطاء الأنظمة الديمقراطية.
تري هل بدأت الثورة الحقيقية التي يمكن أن تحقق للإنسان السوداني ما يطمح اليه من أي حاكم كان.. سواء كان إمرأة أو رجل، عجمياً قحاً ام مستعرباً ؟
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.