بالأمس امتلأت الأسافير بخبر التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية السلام ، انتظر الجميع بلهفة ولكن شيئا لم يحدث. صدمة الخبر الكاذب أعادت الجميع للتساؤل عن هذه المفاوضات التي تجري وعن ارضيتها وفرص انجازها لسلام حقيقي . المواطنون لم يفهموا حتى الان السبب الذي جعل الحكومة الانتقالية تهرول نحو جوبا من أجل الدخول في مفاوضات مع الجبهة الثورية، فالجبهة الثورية هذه هي احدي الأجسام التي شاركت في ثورة ديسمبر وهي جزء من كتلة نداء السودان التي هي احدي كتل قوى الحرية والتغيير ، بل ان قادتها جلسوا في الاعتصام وخاطبوا الشعب من داخله والتوم هجو ظل منذ سقوط البشير يسجل حضورا كثيفا داخل العاصمة ، بما ان قحت اصبحت الآن قوى حاكمة فكذلك الحبهة الثورية ، فما هي دواعي هذا الحوار خارج السودان اذا كانت بين الثوار أنفسهم وبين قحت و قحت ؟!
رغم مشروعية السؤال اعلاه الا ان الجميع سكتوا عنه حين وعدتهم الوثيقة الدستورية بأن اتفاق السلام سوف يوقع خلال اول ستة شهور ثم عزز اعلان جوبا ذلك حين حدد موعد توقيع السلام ليكون قبل الرابع عشر من ديسمبر ٢٠١٩، هذا النصوص بالتحديد هي التي جعلت الجميع يتقبل فكرة ان يتم تأجيل تعيين الولاة والمجلس التشريعي لحين توقيع اتفاقية السلام ، لجهة ان شهر ديسمبر كان على بعد ثلاث او اربع أشهر من لحظة توقيع الوثيقة، وبالتالي( ما كتيرة ) على السلام والوحدة . ولكن ديسمبر جاء ومضى، ومضى بعده يناير وفبراير ومارس وابريل ويونيو وهاهو يوليو ينتصف و( حجوة ام ضبيبينة ) هذه لم تنتهي !
المصفوفة التي صدرت من اجل تحديد اولويات الحكومة الانتقالية وانجازها ووقعت عليها أطراف الحكومة الثلاث مجلس السيادة ومجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير حددت ٩ أبريل موعدا لإكمال التفاوض مع الجبهة الثورية!! ، وحددت نهاية أبريل موعدا لتكوين مفوضية السلام !! كما حددت يونيو موعدا للمؤتمر القومي للسلام بمشاركة كل الأطراف، كل هذه المواقيت راحت هباءا منثورا ولم يتحقق فيها أي شيء يذكر .
في ٢٠١٢ وقعت الجبهة الثورية وقوى الإجماع الوطني (كانت تضم وقتها ايضا احزاب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والمؤتمر الشعبي ) على وثيقة البديل الديمقراطي ، وفي ٢٠١٤ وقعت الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي اعلان باريس ، هذه التوقيعات احتوت على الاتفاقات السياسية الخاصة بفترة ما بعد البشير، وبالاتفاقات الرئيسية بين القوى السياسية السودانية وقوى الكفاح المسلح على الترتيبات والتراتيب التي تهييء البلاد للانتقال السلس ، كل شيء موجود في الورق وكل شيء تم بحثه سابقا ولم يتبق الا الرتوش، فلماذا غرقت أطراف الثورة في حفرة الحوار المتطاول هذه !!
حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي وعدد من أحزاب الحرية والتغيير ذكرت بوضوح أن منهج الحوار الدائر في جوبا لن يقود إلى سلام فهو حوار غير شامل ويستبعد كثير من أصحاب المصلحة ، وهذه أحزاب متمرسة ومجربة، ولكنها لا تستطيع فرض رايها هي تقدم رؤيتها فقط ولا تفرضها بالقوة .
ما الذي كان يمنع قوى الحرية والتغيير على حمل الجبهة الثورية باعتبارها جزء منها وباعتبارها شريك في الثورة على إدارة حوار داخل السودان لانجاز القضايا الفنية؟! ، فالشاهد ان القضايا السياسية لم تعد سببا بعد الإطاحة بالبشير ، فهي قد قتلت بحثا في البديل الديمقراطي وإعلان باريس ، فقط تبقت بعض القضايا الإجرائية وقضايا الأرض والنازحين وحاملي السلاح وغيره، ولم تكن هناك في الأصل حاجة لاعتبار ما يحدث تفاوض ، إذ أن حكومة الثورة كان يجب أن تعتبر الجبهة الثورية جزء منها وليس فصيل خارجي يتم التفاوض معه خارج ارض السودان .
لقد اضعنا فرصة تاريخية لإجراء حوار سوداني سوداني تحت ظل غيمة ثورة ديسمبر بين جميع الاطراف ، فالجميع متضرر من نظام البشير والجميع ذاق المرارات منه، والبعض يشير إلى أن مناوي وعقار والحلو شاركوا الإنقاذ سنينا عددا ، بينما لم يشارك الانقاذ حزب سياسي كحزب الأمة القومي ورغم ذلك لا يربط نفسه بتحقق غايتاته وإنما يسعى لغايات الوطن .
يوسف السندي
sondy25@gmail.com
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.