باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

أحمد يوسف التاي: طموح غير مشروع

1٬578

«1»
قبل أيام اطّلَعتُ على مقال صحافي كتبه المستشار الإعلامي للفريق البرهان، العميد الطاهر أبو هاجة نُشر بصحيفة القوات المسلحة وتناقلته بعض المواقع، أشار فيه إلى:( أن الفريق أول البرهان ذاهد في السلطة، وليس له رغبة في الاستمرار).. انتهـى…
ربما أي محلل سياسي قرأ هذه الرسالة التي جاءت بدون مناسبة وفي توقيت حساس من زوايا مختلفة وخرج بتفسير مختلف، كل حسب المعطيات والخلفية التي استدعاها لحظة قراءة المقال…
لحظتها ازدادت قناعتي أن الفريق البرهان لم يعد يستطيع كبح جماح طموحه السلطوي وتطلعه الى الاستمرار في السلطة، خاصة في ظل كتابات صحافيي المؤتمر الوطني والمدونين الآخرين من شاكلتهم من الذين مافتئوا يحرضون الجيش على استلام السلطة، حيث يصورون له أن رئيس الوزراء حمدوك قد فشل تماماً وأن الشعب ماعاد يطيق الغلاء وارتفاع الأسعار والضائقة المعيشية، وفي واقع الأمر أنهم (جميعا) مَنْ يضعون العراقيل امام حمدوك لإثارة الشارع ضد حكومته ، ليصبح استلام السلطة بواسطة الجيش أمر واقع ومُبَرّر…
والحقيقة التي لا جدال حولها أن قادة الجيش في كل دول العالم الثالث لديهم طموح متصاعد في الحكم والسلطة بحكم الفراغ الامني وعدم الاستقرار السياسي، مثلما للمدنيين تماماً، لكن يبقى السؤال من هو صاحب الطموح المشروع، ومن هو صاحب الطموح غير المشروع…؟؟.. والجنرال الذي يتطلع الى السلطة لن يستعصى عليه ارتداء عباءة السياسي المحترف
«2»
(لسنا طلاب سلطة)، هذه العبارة هي أول مايتعلمه السياسي، وقديماً قيل أن السياسي إذا قال (لا) إنما يقصد نعم، وإذا قال نعم فهو يقصد (لا)، أما إذا قال (ربما) فالأمر هنا يختلف فهو لايريد (لا) ولايريد (نعم) ، وهنا يتلبد المشهد بالغيوم ويكثر الضباب، ويكتنف الغموض كل شيء…
«3»
خذ مثلا الشعار السياسي لحزب الجبهة الاسلامية بزعامة الترابي بعد إستيلائه على السلطة في 30 يونيو 89 فقد رفع شعار:(لا لدنيا قد عملنا، نحن للدين فداء)، وكذلك شعار :(هي لله، لا للسلطة ولا للجاه)، ولكنهم بالمقابل عملوا العكس تماماً..
فأغلب السياسيين مثل النساء “يتمنّعن وهنا الراغبات”، المرأة يمكن أن تحب زوجها لدرجة الوَلَهْ والجنون، لكنها أحياناً تخفي هذا الشعور عند منعرج صغير من منعرجات الحياة، وتتظاهر برغبة ملحة وجادة في الطلاق، وما أن يتم تسريحها تنفجر بالبكاء لتتكشف الرغبة الحقيقية وسلطان الحب الاقوى، مثل السياسي الذي يصر على الاستقالة لحظة غضب، فيندم بعدها ندامة (الكُسعي) عندما طلَّق (نَوَار)..
فأي سياسي يمتلك طموح جامح في السلطة والحكم، ولكنه يخفي هذا الطموح خلف عبارة(لسنا طلاب سلطة)، وكذلك عبارة (نحنُ ذاهدون في الكرسي والسلطة)، ومثل ذلك التلويح بالإستقالة.
هذا الجموح نحو السلطة والحكم ، لم يكن سجيّة خاصة بالمدنيين، فالعسكر وقادة الجيش في دول العالم الثالث يكبر لديهم هذا الطموح بشكل كبير، والأمثلة على ذلك كثيرة حتى أن الفريق سوار الدهب عندما سلّم السلطة لحكومة الصادق المهدي المنتخبة في العام 86 كان الأمر أشبه بالمفارقة النادرة الحدوث..
«4»
لكن إذا قلنا أن الطموح والتطلع للحكم هو حق مشروع للمدنيين، فهل هذا الحق مشروع ايضاً للعسكر؟..
من حق المدنيين أن يحلموا بمقاعد الحكم والسلطة لكن يصبح المحك هو سلامة الوسيلة التي يصلون بها للكرسي، وكذلك مسألة إخفاء الطموح الى الرئاسة خلف عبارات كذوبة من شاكلة(لسنا طلاب سلطة)، و(لا لدنيا قد عملنا) ، وهنا يتحول هذا الاخفاء إلى اسلوب مخادع وأول كذبة على الشعوب وهو أمر يرونه عادياً وبسيطاً وهو عند الله والناس لَجدُّ عظيم..
أما العسكر فليس من حقهم التطلُّع الى كراسي الحكم، فهم لم يُعدُّوا لهذه المهمة، ولم يُخلقوا لهذا الواجب، بل أن مهمتهم الدستورية القانونية الأساسية هي حماية الحدود والمحافظة على أمن البلاد، فأي تطلُّع إلى الحكم والسياسة يظل هو طموح غير مشروع وغير مرحب به وغير مرغوب فيه، ويظل هو طموح شخصي وتجاوز للدستور والقوانين..
«5»
وتأسيساً على كل ماسبق أقول للذين يحرضون العسكر لاستلام السلطة تحت أي مبرر ، إنكم تقولون منكراً من القول وزوراً، فالحكومة المدنية بقيادة حمدوك مهما تنكبت الطريق ومهما تعثرت ومهما كثُرت المطبات أمامها فلن نرضى لها بديلاً من العسكر لسبب بسيط جداً لأن هذه ليست مهمتهم ولم يُهيَّأوا لهذا الدور ولم يتم اعدادهم للحكم، فليس هذا تقليلاً من شأنهم أوحطاً من أقدارهم الرفيعة، فالأمر عندي تماماً مثلما أننا لن نرضى بأن تُوكل أية مهمة أمنية أو عسكرية للمدنيين لأنهم لم يتم إعدادهم لهذه المهمة ولم يهيَّأوا لها، لذلك أرى أن المخرج من كل المطبات والمزالق هو توحد القوى المدنية والشارع كله خلف حكومة حمدوك ودعمها بقوة مع استمرار النقد البناء والتوجيه ومعالجة أخطاء الممارسة، وأي محاولة أخرى فهي الطريق إلى جهنم، وليعذرني القراء الكرام في هذا التشبيه الذي اُضطّررتُ اليه…اللهم هذا قسمي فيما أملك..
ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: