الفاتح جبرا: خطبة الجمعة
ساخر سبيل
الحمد لله الذي جعل الصيام جُنَّة للصائمين مِن النار، ومُكفِّرًا للخطايا، ومُضاعفًا للأجر، ورافعًا للدرجات، ودافعًا إلى زيادة الإحسان، وشافعًا لِمَن كان مِن أهله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، خيرُ مَن صلَّى لربِّه وقام، وأتْقَى مَن حجَّ وصام، فصلَّى الله وسلَّم عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام .
أيها المسلمون :
والشهر الكريم ينتصف ويوشكَ على الذهابِ؟ نجد أنفسنا نحتاجُ إلى أنْ نجرد حسابات (النصف الأول) منه ونراجعُ أعمالنا ونسأل أنفسنا : هلْ ما مضى منَ الأيامِ كافٍ بما أودعناهُ منْ عملٍ؟ فهلْ يا ترى لم تفتنا فيهِ فريضةٌ؟ كمْ مرةً ختمنا كتابَ اللهِ؟ هل صدقاتنا كانتْ جديرةٌ بما أفاءَ اللهُ علينا منْ نعمةٍ وثراءٍ؟
هلْ منْ مراجعةٍ وتصحيحٍ لإدراكِ الفوزِ بهذا الشهر؟ إنْ كنتَ محسنًا، (وهذا هوَ الظنُّ) ، فزدْ إحسانكَ وضاعفْ جدكَ ونشاطكَ وإنْ كنتَ غيرَ ذلكَ وفوتَّ على نفسكَ الفرصَ في أولهِ فعاودِ الكرةَ ثانيةً ؛ فإنَّ البابَ ما زالَ مفتوحًا، وإنْ مضى منْ رمضانَ صدرهُ، وانقضى منهُ شطرهُ، فإنَّ الحبلَ لمْ ينقطعْ بعدُ، والرجاءُ لمْ يخبْ فإنْ كانَ ذهبَ أكثرهُ فقدْ بقيَ أفضلهُ ، فلنواصلَ العطاءَ معَ ربِّ العالمينَ ونسألهُ العونَ والتمكينَ فلقيا الشهرِ ثانيةً غيرَ مؤكدةٍ، ورحيلُ الإنسانِ مُنتظرٌ.
أيها المؤمنونَ :
إننا على مقربةٍ منْ دخولِ ليالٍ، عظيمةَ القدرِ، جليلةَ الفضلِ، هيَ درةُ الليالي وتاجها وريحانتها. إنَّ مجردَ السماع بقربِ دخولِ هذهِ العشرِ المباركةِ ليخفقُ القلوبُ المؤمنةُ، ويبهجُ النفوسَ المشرقةَ ، ولنا في رسول الله َ صلى الله عليه وسلم أسوة حيث كَانَ يُضَاعِفُ – عليه أفضل الصلاة والسلام – العَمَلَ في العَشرِ الأَخِيرَةِ وَيَجتَهِدُ فِيهَا مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا،كما في صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجتَهِدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهِ) وَفي الصَّحِيحَينِ وَغَيرِهِمَا عَنهَا- رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) .
هَكَذَا كَانَ إِمَامُ المُتَّقِينَ وَسَيِّدُ العَابِدِينَ، هَكَذَا كَانَ المَغفُورُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، يَخلِطُ العِشرِينَ بِصَلاةٍ وَنَومٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ العَشرُ َشَدَّ المِئزَرَ وانقطع فيها عنِ الناسِ، وفرغُ نفسهُ للطاعة تفرغاً تاماً لِعِلمِهِ بما في هَذِهِ العَشرِ مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ وَالحَسَنَاتِ المُتَكَاثِرَةِ .
ولا تنسوا أيها المؤمنون أنَّ في هذهِ الليالي ليلةً هيَ خيرُ ليالِ العامِ، العبادةُ فيها تفضُلُ عبادةَ ألفِ شهرٍ، ليلةٌ عظيمةُ البركاتِ، كثيرةُ الخيراتِ، لِما يتنزلُ فيها على العبادِ منْ عظيمِ المنحِ الربانيةِ، وجليلِ النفحاتِ الإلهيةِ.
أبشروا أيها الأحبة فما نحنُ قادمونَ عليهِ منْ فرصِ المغفرةِ والترقي في درجاتِ الجنةِ. ومنْ زكاةِ النفوسِ وسموِّ الروحِ ما يجعلنا نفرغُ أنفسنا أكثرَ في هذهِ الليالي، ونبذلُ ما في وسعنا للمزيدِ منَ العملِ، فكما ذهبتْ أيام هذا الشهر الفضيل سريعًا فما بقيَ سيكونُ ذهابهُ أسرعُ.
أيها المسلمون :
أيامَ العشرِ تحلُّ بنا -إنْ شاءَ اللهُ- لتكونَ الفرصةُ الأخيرةُ لمنْ فرطَ في أولِ الشهرِ، أوْ لتكونَ التاجُ الخاتمُ لمنْ أصلحَ ووفى فيما مضى. فكونوا، يا رعاكمُ اللهُ منَ الذينَ لا تلهيهمْ تجارةٌ ولا لهوٌ ولا يستهويهم كسلٌ ولا خورٌ ولا نومٌ وكونوا منَ الذينَ اشتروا الدارَ الآخرةَ بالدارِ الفانية.
اللهمَّ ياحيُّ يا قيومُ تقبل منا صيامنا وقيامنا، اللهم نسألكَ أنْ تكونَ خيرَ معينٍ لنا على طاعتكَ، اللهمَّ إنا نستعينكَ ونستهديكَ ونؤمنُ بكَ ونتوكلُ عليكَ، اللهمَّ لا حولَ لنا ولا قوةَ إلا بكَ ، اللهمَّ اجعلْ ما بقيَ منْ أعمارنا خيرًا منْ أولها، واجعلْ خيرَ أيامنا آخرها، اللهمَّ باركْ لنا في أحوالنا كلها، واختمْ لنا بخيرٍ، اللهمَّ إنَّ ذنوبنا كثرتْ وأوزارنا قدْ ثقلتْ، اللهمَّ امننْ علينا برحمتكَ وجودكَ وإحسانكَ، فأنتَ أجودُ الأجودينَ، وأكرمُ الأكرمينَ.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.