الخرطوم: باج نيوز
يصرّ سودانيون كثر اليوم على التمسّك بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة بشهر رمضان، غير آبهين بالإرشادات الصحية الموجبة على خلفيّة فيروس كورونا الجديد.
رغم ذلك، لا يمكن الإنكار أنّ الجائحة أربكت السودان كما البلدان الأخرى المحتفلة برمضان، إذ فرضت نفسها على يوميات الناس. ولعلّ الإفطارات الجمّاعية من أبرز العادات السودانية في خلال هذا الشهر، وتنتشر في الساحات العامة والشوارع والطرقات الرئيسية. في خلالها يجتمع الضيوف أو عابرو السبيل، الأمر الذي يهدّد التباعد الاجتماعي المفروض وسط تفشّي الفيروس. يُذكر أنّ هدف السودانيين من ذلك لطالما كان تعزيز روح التواصل والتعارف في داخل المجتمع.
قبل أكثر من شهر، بدأت تُسجَّل إصابات بالفيروس الجديد في السودان، وراحت السلطات تتّخذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمواجهة كورونا. فتوقف العمل في المدارس والجامعات، ومُنعت التجمّعات، وأُغلقت الحدود البرية والبحرية وكذلك المجال الجوي، قبل أن يُفرض حظر تجوّل جزئي لمدّة 12 ساعة يومياً تحوّل لاحقاً إلى حظر شامل يُمنح في خلاله المواطنون سبع ساعات للتجوّل في الأحياء وشراء حاجياتهم.
وبعدما راحت الإصابات تتزايد في الفترة الأخيرة، أُصدرت توجيهات للسودانيين مع حلول شهر رمضان تطالبهم بالتخلّي عن عاداتهم، لا سيّما الإفطارات الجماعية في الأحياء والشوارع الرئيسة والساحات العامة والمساجد، لأنّها ستكون تربة خصبة لتفشّي الفيروس. استجاب كثيرون لذلك، منهم عبد اللطيف السني الذي يخبر “العربي الجديد” أنّه “في الماضي، كنت أحرص على إعداد مائدة إفطار رمضاني في خارج المنزل أشاركها مع الجيران وأهل حيّ العودة في الخرطوم. فمن خلال ذلك، كنت أكسب معارف جديدة وسط حلقات أنس. وفي الوقت نفسه، أنال أجر وثواب إفطار الصائمين من عابري السبيل والفقراء والمساكين وطلاب الخلاوي”.
ويشير السني إلى أنّه قرّرهذا العام “عدم الإفطار في الخارج، استجابة للإرشادات الصحية المتّبعة لمواجهة فيروس كورونا، ومنها عدم التجمّع وعدم الاختلاط قدر الإمكان. بالتالي، أعددت برنامجاً خاصاً لأسرتي، فأفطر معها”. لكنّه يأمل بانتهاء الجائحة قبل نهاية الشهر حتى يرجع إلى عادته القديمة.
من التقاليد الرمضانية التي تلاشت في هذه الأيام، المسحراتي. فشباب الأحياء في الخرطوم وفي مدن وقرى سودانية كثيرة كانوا يتكفلون بالتجوّل في ساعات السحر لإيقاظ الصائمين حتى يتناولوا وجبة سحورهم المصنّفة كسنّة من سنن النبي.
ويستخدم الشبّان كما هي الحال في كلّ البلدان الإسلامية أسلوب النداء الجامعي وبعض الطبول والحديد في مهمّتهم تلك. لكنّ الشباب باستثناء مناطق قليلة، آثروا التخلّي عن هذه العادة استجابة للتوجيهات الصحية.
ويعبّر تهامي عبد الله لـ”العربي الجديد” عن أسفه لغياب المسحراتي الذي يرتبط بحسب ما يقول “روحياً ووجدانياً بالشهر الكريم ويصعب التخلّي عنه بسهولة”. يضيف” أنّه “بوجوده لسنا في حاجة إلى منهبّات ولا ساعات ولا هواتف”.
بدورها، صلاة التراويح التي تجمع ما بين العبادة والعادة، تأثّرت إلى حدّ كبير بالإجراءات الصحية الخاصة بمواجهة كورونا. فالمساجد فضّلت عدم إقامة صلاة الجمعة والجماعة، في حين استمرّ عدد منها في استقبال المصلّين لأداء صلاة التراويح.
ويقول عباس الأمين الضو وهو أحد شبان لجان المقاومة لـ”العربي الجديد”، إنّهم حاولوا “حثّ بعض المساجد على اتباع الإرشادات الصحية، لكن دون جدوى مع إصرار كبار السنّ”.
واتهم الضو “جماعات سياسية بتحريض المصلّين على المداومة على صلاة الجماعة في محاولة منهم لإحراج الحكومة في موضوع إنساني ما كان له أن يُسيَّس على الإطلاق”، مشيراً إلى أنّهم حرصوا كذلك على “تقديم نصائح جماعية للذين يقيمون موائد رمضانية في خارج منازلهم وتذكيرهم بالضرر الذي يمكن أن يتسببوا فيه للمجتمع”.
حضور لمنظّمات المجتمع المدني
من جهة أخرى، في السنوات السابقة، حرصت منظمات مجتمع مدني على توزّع شبّان وشابات عند تقاطعات الطرقات الرئيسية لتوزيع وجبات سريعة على السيارات العابرة وقت الإفطار، لكن مع حظر التجوّل الشامل الذي فرضته السلطات لمواجهة كورونا لم تعد السيارات تعبر بالتالي انتفت الحاجة إلى المتطوعين. كذلك، في السنوات السابقة، في خلال شهر رمضان، كان شارع النيل في الخرطوم وكذلك شارع النيل في أمّ درمان يُعدّان ملتقى ليليا للشباب والأسر بعد الإفطار. هناك، كان الصائمون يحتسون الشاي والقهوة فيما تُعقَد جلسات أنس ومنتديات وحفلات إلى جانب التنزه في رحلات نيلية. لكنّ كلّ شيء ذهب مع الريح بسبب الاحتياطات المتخذة على خلفية أزمة كورونا.
افتقاد أشياء
أمّا بالنسبة إلى المائدة الرمضانية، فلم يُسجَّل تغيير كبير،غير أنّ ثمّة أسراً افتقدت “الحلو مرّ” وهو مشروب سوداني خالص وعتيق تعدّه الأسر قبل أشهر أو أسابيع من شهر رمضان وعملية تصنيعه معقّدة. وتحرص عادة الأسر الكبيرة على إرسال كميات منه لأبنائها في الخرطوم أو بقيّة المدن أو حتى خارج السودان، لكنّ منع التنقّل بين المدن وإقفال المطارات الدولية والمحلية حرمت أسراً كثيرة من نصيبها السنوي مثل أسرة سلافة محمد إبراهيم. تقول لـ”العربي الجديد”: “لمدّة 16 عاماً كنت أتلقى حصّتي من الحلو مرّ، إذ ترسله لي والدتي من منطقة الجزيرة. أمّا اليوم فقد اختلف الأمر. وعلى الرغم من توفّر خيارات سواء عصائر الفواكهة الطبيعية أو العصائر المعلبة، إلا أنّني لم أجد بديلاً عن الحلو مرّ نظراً إلى مذاقه الخاص وارتباطه الوجداني بمائدة رمضان”.
عادات وتقاليد راسخة
تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم لـ”العربي الجديد” إنّ “تأثيرات فيروس كورونا الجديد على العادات الرمضانية تمتدّ لتشمل الزيارات العائلية. ففي الماضي كان كثيرون يضعون من ضمن برنامجهم السنوي قضاء أوّل يوم في رمضان مع الأسرة الكبيرة، تحديداً في منزل الوالدَين. وهذا أمر لم يحدث هذا العام، في حين قلّت الزيارات واجتماعات الأصدقاء، وكلّ هذا أفقد رمضان نكهته”. لكنّ إبراهيم تشير إلى أنّ “إجراءات حظر التجوّل والحجر المنزلي ساهمت إيجاباً في زيادة تماسك الأسر الصغيرة. فبعدما كان الأب مشغولاً بالعمل والأمّ كذلك ولا يعطيان الأبناء الوقت الكافي، فإنّهما راحا يتفرّغان للأسرة، الأمر الذي من شأنه تعويض الحرمان الطويل”.
تضيف أنّ “كثيرين راحوا يتشاركون كذلك الأعمال المنزلية في حال رغبوا في ذلك، لأنّ ثمّة من أغلق على نفسه باب غرفته الخاصة وتجاهل الأسرة كما كان يتجاهلها في الأيام العادية”. وتؤكد إبراهيم أنّه “للسودانيين قدرة على استعادة عاداتهم بالسرعة المطلوبة ما إن تنتهي أزمة كورونا، لأنّها عادات وتقاليد راسخة وبالتالي لن يهزمها الفيروس”.
نقلاً عن العربي الجديد
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.