هنادي الصديق: قمَة الخيانة
بلا حدود
شئ ما يدور في الأفق السياسي، ولعل من الأسباب ما يجعله أمرا غير حميد هو التمدد الكبير والمتنامي والمزعج لمنسوبي النظام البائد، حيث وضح بالدلائل أنه أفاق من صدمة ابريل وبدأ في ترتيب صفوفه للعودة في ثوب جديد.
واهم من ظنَ أن جماعة الإسلام السياسي إستسلمت للهزيمة المرة التي أذاقها إياها الشعب، فقد عملت هذه الجماعة الشريرة جلَ جهدها لضرب حكومة الثورة في مقتل، وضعضعة ثقة الشارع بها من خلال إفتعال الأزمات المختلفة وسعيها الدؤوب لتفتيت النسيج الإجتماعي، وإضرام نار العنصرية مرة اخرى وبقوة بعد أن أخذت في التلاشي عقب إسقاط نظامهم المشؤوم. وهذه المرة جاءت بأيدي نخب أو من ظنناهم كذلك.
منسوبو المؤتمر الوطني وشركائهم لا زالوا ممسكين بمفاصل الدولة وتلابيب المواطن في جميع المرافق الحكومية وخاصة المتعلقة بشكل مباشر بحياة الناس ومعاشهم. ولن يهدأ لهم بال إلا وقد أجهزوا على الحكومة الحالية.
لم تنج منهم المواصلات العامة ولا الخاصة، ظلوا يتلاعبون بتعريفة العام منها يوما بعد آخر مستفيدين من عدم وجود الرقابة، بينما التطبيقات الأخرى للمواصلات باتت مصدر رزق لتماسيح النقل والمواصلات القابعين خلف الكواليس يديرون في الأزمات كيفما شاء لهم، رغم ثبات أسعار الوقود في السوق، أما الحال في مرافق البترول والمعادن وشركاته الضاربة جذورها في تمكين التمكين، فقد بدأت تنتشر فيها ذات ممارسات أهل الإنقاذ وباتت مرتعا لخلافات أهل الثورة فيما بينهم، ليضيع التفكيك وتتمدد الايادي العابثة مرة أخرى.
معظم المرافق الحكومية التي قمت بزيارتها منذ تسلم حكومة حمدوك مقاليد الحكم، لم أشتم رائحة الثورة بين جدرانها ولا شاهدت ملامح الشهداء فيمن يجلسون خلف مكاتبها، إحساس بالإنقباض ينتابني وملامح بني كوز أراها تتحرك بحرية تامة في اركانها وكأن ما تمَ من تغيير لم يطالها.
ممارسات الجيش والشرطة لم تتغير، ولا سلوكيات منسوبيها، بل كرَس لها البعض من خلال مواقف عديدة كان شعارها (لساها ما سقطت). بينما الأمن يبدو في وضعية الصامت ولكنه في حقيقة الأمر لا زال يقوم بذات أدواره السابقة عدا (إعتقال النشطاء فقط)، ولم نسمع بناشط واحد أو ثائر أو احد شباب المقاومة إلتحق بجهاز المخابرات في ثوبه الجديد كما رددت حكومة الفترة الإنتقالية في بداية عهدها. ما يعني ان العسكر هم المسيطرون فعليا على الدولة مهما كابر المكابرون.
اما الوزير مدني عباس مدني الذي دافعنا عنه بداية، نراه عاجزا تماما عن الإلتزام بوعده تجاه الثورة حتى الآن حتى قلنا ليته إكتفى بعضوية تجمع المهنيين، ولم يدخل شرك الوزارة.
يتحجج بأن الوزارة قد تمَ إفراغها تماما من مؤسساتها ومن كادرها المؤهل، ولا يوجد بها قوانين لضبط العمل مثل قانون الرقابة على السلع وقانون للصناعة، ولا قانون للتجارة ولا يوجد أي إطار تشريعي يحدد أدوارها، وغيرها من أعذار أعاقت وزارته عن ضبط الأسعار بالاسواق والرقابة عليها بحسب قوله.
الرضيع في بطن أمه يعلم ذلك الحديث العبقري من الوزير،ولكنا توقعنا ان يقول ذلك منذ تسلمه مهامه وليس بعد أكثر من 7 اشهر، ولعمري فهذا عين الفشل. الشعب جاع وطنَ وأنَ ولكنه صمت، وصمته يعود لصبره وثقته في حكومته ومن يقف خلفها، ولكنه لم يتوقع مثل هذا التصريح الساذج في هذا الوقت، وبعد أن وصلت الروح إلى الحلقوم.
ما يحدث حاليا ما لم يتم تداركه فورا وبشكل منضبط، فحتما هو السقوط إلى الهاوية مرة أخرى. على الحكومة وقوى الحرية والتغيير أن تفتح آذانها جيدا لمن يقول لها الحقيقة المرَة والمجردة، فكونها طالقة القيد في أيد من خرجت الثورة ضدهم، فهذا قمة الخيانة، ولا أظنها حكومة خائنة مهما قيل عنها.
ينتظر الشعب من الحكومة أن تعلن الحرب على جميع من أجرم في حق الشعب وليس التساهل معه وتسليمه رقاب المواطنين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.