بقلم :المهندس. الصادق حاج علي
قصدت أن يكون عنوان مقالي مستفزًا نوعاً ما حتي أدفع الكثيرين لقراءته والتمعن فيه وخصوصا أن واقع الحال يشي بالعكس تماماً ، فما زال السودان ينافح في إختيار نظام حكم رشيد مستدام يلبي أشواق مواطنيه في الحياه الكريمه والاستقرار والأمن والسلام وهي كلها مطالب متواضعة ويجب أن تتوفر في حياة أي مجتمع من المجتمعات .
لا أود الخوض كثيراً في هذه المتاهة السياسية ولكن أدلف مباشرة للتفاصيل التي تتناول شرح العنوان المثير لمقالي !
بشكل عام نشبت كل الحروب القديمة والحديثة في العالم لأسباب إقتصاديه متمثله في التنافس المحموم علي الثروات بمختلف أنواعها وكان ذلك دافع ايضا لإستعمار الدول الضعيفه من قبل القوي الإستعمارية الكبري ونحن في السودان لم نكن بمعزل عن ذلك ، فتم إحتلال السودان من قبل
العثمانيون والبريطانيون بحثاً عن الرجال والذهب وغيرهما من الثروات .
كان إستعمار الدول في أفريقيا ومناطق آخري يتم بغرض الهيمنة و الإستفادة من ثرواتها لأن قوه
الدول ونفوذها العالمي يحسب بحجم ثرواتها واقتصادها فكانت بريطانيا تلك المملكه التي لا تغيب عنها
الشمس فكلما غربت في بقعه من بقاع العالم أشرقت في أماكن آخري تحت نفوذها و سيطرتها.
يمكن فهم الكثير من تاريخ القرن العشرين من خلال سعي الدول للحصول على النفط والغاز، بدءاً من محاولات أدولف هتلر لتأمين حقول النفط في باكو إلى غزو صدام حسين للكويت وصولاً إلى هجوم طائرات مسيرة للحوثيين على منشآت شركه أرامكو السعودية في سبتمبر من العام السابق ٢٠١٩ والذي يصب في الإطار أعلاه .
أصبحت الدول التي تحتكر النفط والغاز دول ثريه في الغالب الأعم ماعدا التي أطبقت منظومة الفساد السياسي والإداري علي مفاصلها كما هو الحال في نيجريا و فنزويلا علي سبيل المثال والسودان في فتره الإنتعاشه النفطيه, فكان بالإمكان إعاده إستثمار موارد البترول المقدره وقتها في مشاريع تعود بالنفع علي الإقتصاد السوداني .
بالمقابل إعتمدت دول آخري علي النفط لتسيير كافة مناحي الحياة ، فكان النفط والغاز هما عصب الحياة في كافة أوجه الحياة فيها من مواصلات وزراعة وتوليد للكهرباء، واذدهرت بفضله القطاعات التجاريه والسكنية والخدمية .
في سبيل ذلك كان عليها دفع مبالغ هائله وخصوصاً في الفترات التي شهدت حروب كما حصل في السبعينيات من القرن المنصرم فيما عرف بأزمة النفط عام 1973 أو صدمة النفط الأولى والتي بدأت في 15 أكتوبر 1973، عندما قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول أوابك (تتألف من الدول العربية أعضاء أوبك بالإضافة إلى مصر وسوريا)
بإعلان حظر نفطي ” لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967 حيث أعلنت أوابك أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الآخرى التي تؤيد إسرائيل في صراعها مع سوريا ومصر والعراق.
كانت نتيجة هذا الحظر صدمة في الغرب، ففي الولايات المتحدة، أرتفع سعرالبيع للجالون من البنزين من متوسط 38 سنتا في مايو 1973 إلى 55 سنتا في يونيو 1974، وفي الوقت نفسه فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 97 مليار دولار في قيمة أسهمها في ستة أسابيع.
بعدها إتجهت المصانع في الولايات المتحده ودول أوروبا واليابان وغيرهما من الدول المصنعة للسيارات الى إنتاج سيارات أصغرحجماً وبمحركات أكثر كفاءه في استهلاك الوقود وفرضت العديد من القوانين والتشريعات في هذا الإتجاه كمثال تحديد السرعات في الطرق في أمريكا وغيرها وذلك لدواعي السلامه وأيضاُ لتقليل صرف الوقود لأن السرعات العاليه تستهلك وقودًا أكثر .
أدت أزمة الطاقة إلى زيادة الإهتمام بمجال الطاقة المتجددة، وحفز البحث في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما أدت إلى زيادة الضغط لإستغلال أمريكا الشمالية من مصادر الطاقة النفطية، وزاد الغرب من الإعتماد على الفحم والطاقة النووية، وشمل هذا التأثير الإهتمام المتزايد بالنقل الجماعي.
بداء الإتجاه عالمياً يتقدم بصوره متسارعة وكبيره في مجالات الطاقة المتجددة والتي تعرف أيضًا بالطاقة البديلة وهي الطاقة القابلة للإستخدام والمستمدة من مصادر قابلة للتجدد مثل طاقة الشمس
وطاقة الرياح والأنهار والينابيع الساخنة وطاقة المد والجزر والوقود الحيوي.
في بداية القرن الحادي والعشرين كان حوالي 80 % من إمدادات الطاقة في العالم مستمدة من الوقود الأحفوري مثلا الفحم والنفط والغاز الطبيعي, اما الان فبداءت الصوره تتغير بوتيره متسارعه.
اذا أخدنا ألمانيا كمثال، أنتجت مصادر الطاقة المتجددة كمية من الكهرباء أكبر مما تولده معامل الفحم والطاقة النووية سوية، وفقًاً لأرقام جديدة.
في الأشهر الستة الأولى من العام 2019، شكلت الطاقة المنتجه من الشمس والرياح والمياه والكتلة الحيويه 53% من إنتاج الكهرباء في البلاد، بينما أنتجت محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والطاقة النوويه47% منها علماً بأن المانيا تنتج ما يفوق ٨٠٠ الف ميغاواط / ساعة، أي حوالي ٢٧٠ مره مثل إنتاج السودان من الكهرباء .
يزداد إنتاج الطاقه من المصادر البديلة بصوره متسارعة في كافة أرجاء المعمورة وخصوصاً في الدول ذات الإستهلاك الكثيف للطاقه.
في المقابل تتسارع وتيرة إنتاج مركبات تعمل بالكهرباء تمدها بها بطاريات الليثيوم – أيون ، تشمل تلك المركبات حافلات الركاب والمركبات التجاريه والسيارات بمختلف أحجامها .
تنفق شركات السيارات العملاقه مليارات الدولارات في البحث والتطوير لإنتاج سيارات كهربائيه إقتصاديه ذات جوده عاليه فعلي سبيل المثال خصصت شركة فولكسفاجن الألمانية ميزانيه قدرها ستون مليار يورو لتطوير ٢٥ موديل مختلف من السيارات الكهربائيه حتي العام 2025.
تتركز الأبحاث في ثلاثه محاور أساسية
1. تقليل حجم ووزن البطاريات.
2. زياده كفاءتها وذلك لقطع مسافات أطول حتي إعاده الشحن.
3. تقصير المده المطلوبة لإعاده شحن البطارية.
وصلت التقنيه في معالجة التحديات الثلاثة الى آفاق بعيده حيث أصبح حجم البطارية أقل من النصف مقارنة مع حجمها قبل عشره سنوات وأصبحت البطارية قادره علي تسيير السيارات متوسطة الحجم الي مسافه تفوق خمسمائة كيلومتر و لا يحتاج إعاده شحنها الى أكثر من عشرين دقيقه كما يمكن شحنها عن طريق الشحن البطئ في المنزل في الفتره المسائية من خلال جهاز موصل مع كهرباء المنزل العاديه لاتزيد قيمته عن ٢٠٠-٣٠٠$ حاليا .
الزائر الي أوروبا وغيرها من بقاع العالم المتقدم يلاحظ بشكل جلى العدد المتزايد من محطات شحن السيارات وإنتشارها بصوره كبيره .
إذا أخذنا المانيا كمثال وهي دوله تمثل أكبر إقتصاد في أوروبا ورابع إقتصاد علي مستوي العالم ، نجد أن نصف محطات شحن سيارات الكهرباء تتحصل على طاقتها من مصادر متجدده و من المؤكد إنها خلال سنوات قليله ربما تستمد كل طاقتها من هذه المصادر المتجدده ، وقتها ستكون السيارات الكهربائية هي السائدة وذلك لعدة أسباب بيئية وإقتصادية وسياسيه.
إذا علمنا ان السياره الكهربائيه تحتوي علي مكونات أقل بنسبه ٧٠./. من مثيلتها العاديه (ذات محركات الإحتراق الداخلي ) عليه تقل التكلفه نسبة لإستخدام مواد أقل وبالتالي ستنخفض أسعار السيارات الكهربائية بصوره كبيره جداً خلال السنوات القليلة القادمه مما يشجع الجميع علي شرائها وتفضيلها علي السيارات التقليدية، ليس ذلك فحسب ولكن العديد من الدول وضعت تشريعات وقوانين تمنع ترخيص السيارات العاديه بعد سنوات قليله ومن ثم منع إستخدام السيارات العاديه نهائيًا في نهاية المطاف .
ماعلاقة كل ماتم سرده بالسودان ؟؟
الإجابه في طيات الأسطر القادمه .
في المقابل ينمو سكان العالم باضطراد ومن المتوقع أن يصل تعدادهم الي عشره مليار نسمه بحلول العام ٢٠٥٠ !
تواجه العالم الآن تحديات عظيمه تتمثل في نقص المساحات المزروعة ، نقص المياه الصالحة للزراعه، الإستهلاك المفرط للأراضي مما يتسبب في مشاكل للتربة ، التغيرات المناخية، الآفات الزراعية وغيرها من الأسباب التي تهدد في مجملها الوضع الغذائي مستقبلا ، صحيح أن التقنيه تتطور بصوره كبيره وتساهم في زياده الإنتاج الغذائي عن طريق التقنيات المختلفة الموفره لإستخدام المياه في الزراعة و الكفاءه في إستخدام الأراضي ولكن مع ذلك فان الصراعات القادمه هي صراعات علي المياه والأراضي !!
إذا تمعنا في حقيقة إتجاه العالم في تقليل الإعتماد علي البترول وإستخدام المصادر البديلة للطاقه بوتيرة متسارعة للغايه ، نجد أن الطلب علي النفط سيقل تدرجيا خلال الفتره القادمه ، تختلف تقديرات الشركات والمؤسسات الكبيره في تحديد هذه المده والتي يصبح فيها الإعتماد علي البترول في أقل معدلاته ، ولكنها في المجمل سنوات قليله فعلي سبيل المثال تتوقع شركة شل العالميه أن يبدأ التأثير إبتداء من العام ٢٠٢٥!!
حوجه العالم للغذاء في تزايد مستمر كنتيجة طبيعية لزيادة السكان وبرامج محاربه الفقر و تحسين حياة المجتمعات الفقيرة وإزدياد متوسط أعمار البشر من جانب آخر، عليه ستكون المعادلة كالآتي :
طلب متزايد علي الغذاء في ظل تحديات في الآراضي والمياه الصالحة للزراعة في كثيرمن مناطق العالم ، يقابله طلب متناقص علي مصادر الطاقه من بترول وغاز يقابله توسع ضخم في إستخدام الطاقات البدليه المتجدده!
سوف يأتي يوم ليس بعيد بالمره تتقلص فيه الحوجه لمصادر الطاقه التقليدية وسوف تعاني الدول المعتمدة علي إنتاجها أشد المعاناه اذا لم تبحث من الان علي مصادر دخل آخري ولكن للأسف معظم هذه الدول تفتقر الي مميزات آخري مثل الموارد الطبيعية ، وليست لها مساهمات أو وجود يذكر في عوالم التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي حتي تعوض به ما ستفقده من موارد هائله، بالمقابل يتربع السودان على كنوز من المصادر المتجدده والتي لن يأتي يوم من الأيام تنتفي فيه حوجه سكان العالم للأكل والشراب !!
اذا مصادر هائله من الأراضي والتي تتجدد خصوبتها عام بعد الآخر وحتي إذا فقدتها فإن أمر معالجتها معروف و سهل ، مياه أنهار و أوديه وأمطار ومخزون ضخم من المياه الجوفية . ثروه حيوانيه مهوله تتوالد وتتكاثر بإستمرار لتعوض ما يستخدم منها بل بالإمكان التحكم في الإنتاج بصوره تجعله يفوق مرات ما يتم استهلاكه .
من أفضل الشواهد علي ماذكر أعلاه ما يجتاح العالم هذه الأيام من إنتشار لجائحة كرونا وما صاحبها من هلع كبير من نقص في إمدادات المواد بشكل عام ولكن بصوره واضحة في المواد الغذائية، فامتدت طوابير الشراء وأفرغت أرفف الهايبرماركت الضخمه في أمريكا وأوروبا من محتوياتها بينما لم نشاهد طوابير أمام محطات الوقود بل بالعكس ، تهاوت أسعار البترول بنسبه لم تشهدها في الثلاثة عقود الماضية وأصبح المعروض أكثر من المطلوب بينما إرتفعت أسعار الكثير من المواد الغذائية وتناقصت إمداداتها .
إذ هذا ما قصدته من عنوان مقالي.!
المستقبل القريب والبعيد لنا، ولكن هل بكسبنا وعطائنا الحالي يمكن أن نصل الي تلك الغايات التي نصبح عندها من أهم الدول إقليمياً وعالمياً ؟.
الإجابه ببساطه وللأسف لا، ولكن إذا وضعنا خططنا الإستراتيجية الواضحة في سبيل الوصول لتلك الغايات فالأمر سهل وممكن .
لابد من وضع إستراتيجيه قومية للإرتقاء بالإنتاج الزراعي والحيواني كما وكيفا عن طريق البحوث في هذا المجال والإستعانة بالدول المتطوره في المجالات التي حبانا الله فيها بمزايا تنافسيه غيرعاديه ، يجب أن نضع كل الخطط المطلوبه لزيادة الإنتاج والإنتاجية وتحسين المنتجات وجودتها حتي تصبح مقبوله في الأسواق العالمية ونرفع من قيمتها عن طريق التصنيع والقيمة المضافة علي أن يتم ذلك من خلال مشروع قومي نلتف حوله جميعنا ونعمل من أجل تحقيقه.
المعروف أيضا أن الطلب العالمي على المنتجات الزراعيه والحيوانيه العضوية في تنامي ضخم ، عليه فان الإستثمار و الولوج بقوه في هذا المجال يحقق عائدات ضخمه لإرتفاع أسعار هذه المنتجات حيث تباع بأسعارعاليه جداً مقارنة بالمنتجات الغير عضويه .
يجب أيضاً الإهتمام بالثروه السمكيه فلدينا أنهار وبحار تضم ثروات كبيره كما يمكن تطوير مشاريع الإستزراع السمكي .
تجاره الزهور عالمياً والورود تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات سنويًا ، هنالك أنواع لا تنمو إلا في بيئات جافه وأجواء مثل أجوائنا ومطلوبه في أماكن كثيره في العالم عليه يمكن الحصول على نصيب من هذه الكيكه أيضاً فهي أيضاً من ضمن المصادر المتجدده .
هنالك الغابات ومنتجاتها ، إذا أحسنت إدارتها بصوره علميه توازي بين القطع والإحلال فيمكن عندها الإستفادة من منتجاتها ومن أخشابها أيضاً .
السودان بلد يتمتع بإمكانيات هائله وهي من نعم الله علينا إن جعلها مصادر متجدده وفوق ذلك مطلوبه بشده ويحتاجها كل إنسان علي وجه الأرض ولا بديل لها إطلاقاً ، فهل ادركنا ما يتغير في العالم من حولنا وإجتهدنا وتركنا عبث الحروب والإقتتال والصراعات السياسية وركزنا في بناء وطن وضع الله فيه كل الخير و إمكانيات النماء والتطور والتميز من الثروات والمصادر المتجدده ، الآمر الذي من خلاله يمكننا رياده العالم إذا وضعنا ذلك هدفًا و سلكنا طريق بعد أن نرسم خارطته بدقه ومعرفه والعمل عليه كمشروع وطني مصيري كما أسلفنا يعمل عليه كل السودانيين كل في مجاله وكسبه ، عندها وبدون أدني شك سيكون للسودان شان عظيم في محيطه في الوقت الذي من المتوقع أن تتغير فيه موازين القوه الإقتصاديه و السياسيه لكثير من الدول في محيطنا الإقليمي والدولي.ا
الله الموفق وهو المستعان .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.