إيمان كمال الدين
ظل يردد بين الحين والآخر (أنا قلبي دليلي)، ثم يتوارى عن ناظري كحلمٍ جميل، كسراب لواحةٍ في صحراء قاحلة، هكذا هم القادمون من مسامات الروح، من نافذة القلب الجريحة الوحيدة المُطلة على شرفة الأمل أملًا بالشفاء، هؤلاء العابرون عبر جراحنا لا يسعنا الشفاء منهم كما ينبغي وإن كانت لقاءاتنا عابرة، وكانت كلماتهم فقط (أنا قلبي دليلي).
آفةُ جراحنا التفاصيل، الذكريات، الماضي والحاضر والمستقبل الذي نحاول أن نخفف فيه من تركة الماضي وعبء الحاضر عسى أن يأتي خفيفًا نقيًا بلا شوائب.
لكنها الحياة مُجددًا تذكرنا أن المارون عبر القلب عابرون، مكثوا في مسمات الروح، جروح القلب، أقاموا في الفراغات وأعادوا ثقب القلب من جديد، ذلك الذي لم يُكتب لهُ أن يلتئم.
هم كطفلٍ صغير يعيد استكشاف الحياة من حولهُ، يحاول السير للمرة الأولى، البكاء، الضحك، وتحطيم الأشياء ثم الضحك على ذلك مجددًا.
وأحيانًا ككهل أخذت الحياة مأخذها منه وجد حين يأسٍ أملًا في الحياة من جديد، فتشبث وأخذ من الروح والقلب ما يُعيد ابتعاث الحياة لهُ من جديد، ومضى بعدها بلا اكتراثٍ لما خلفهُ وراءهُ.
هؤلاء يخلفون تفاصيل وذكريات لا تُمحى هي الأُخرى، فكل ما بدأ لنا ذات يومٍ أمل من صخب الحياة وضجيجها، كتفٍ نستند عليه، يدٌ تُحيط براحة يدنا إلى نهاية الطريق، وقدمٌ تسير معنا حتى عند المنعطف، وعند مفترق الطرق.
فهكذا نحن بضعُ جراحٍ، وأمل، لا نمل من محاولة ترميمها التي تنتهي بنا على عتبةٍ في الرصيف نخيط من ذكرياتنا، ذكرياتهم، ملامح وجوههم، وبعضُ ما تبقى منا نُخيط به تلك المسامات وننسى حين نوشك على الشفاء أن من يحمل عنا الإبرة مجددًا سيعيد نقض ما غزلناه، يرمي بكرة الخيط بعيدًا عنا، يجلب كُرة زاهية الألوان وينتهي الأمر بتدحرج كرات الغزل، وعبث الخيوط، وضياع الإبرةِ مُجددًا.
لا تفارقنا تلك العتبة ولا نفارقها، ويومٍ تلو آخر يغدو القلب رث الهيئة، مليءٌ بالرقع، لكن لا شيء من ذلك يبدو على محياهم يشبهون من قال عنهم المولى عز وجل (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف عرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا).
تمضي الحياة نخطو على عتبات العمر بلا اكتراث، نذوب فيما تبقى منا ومن تفاصيل العابرين، نتشوه حالنا كحال العائدين من الحروب، نحظى بعلامةٍ مميزة تبقينا رغم كل شيء فريدين واستثناءًا، إنهُ ذلك الألم الخاص بنا، وتلك الندبة على جبين الروح والقلب.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.