بقلم د.لؤي شبانة- المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية
سعدت بزيارة السودان مؤخرا والتقيت عددا من القيادات السياسية وممثلي الوزارات ذات العلاقة، حيث بحثنا التعاون المشترك وقيمنا الاعمال الجارية واليات تفعيلها وزيادتها من حيث الكم والنوع، وتحدثنا عن أهمية إجراء تعداد للسكان والدعم الذي سيقدمه للجهازالمركزي للاحصاء والمجلس الاعلى للسكان وناقشنا خططنا المشتركة مع وزارات التنمية الاجتماعية والعمل والصحة والشباب وغيرها وتحدثنا عن الاحتياجات الآنية العاجلة وكيفية ربطها بتقديم مساعدات فنية على المدى المتوسط والبعيد.
وبعد الاجتماعات الرسمية توجهت لشرق السودان وتحديدا ولايتي الغضارف وكسلا للاطلاع على الأوضاع هناك، أسعدني جدا حسن الاستقبال والضيافة وانفتاح كل من التقيت من مسؤولين ونساء وشباب على مناقشة كثير من القضايا بكل صراحة وموضوعية … لكن مع كل ذلك يطغى الحزن والاحباط والغضب لصعوبة الأوضاع المعيشية وانعدام المقومات اللازمة للعيش الكريم .
وبينما يحتفل العالم يوم الثامن من آذار بيوم المرأة العالمي وتتجدد الدعوات لتمكينها من ممارسة حقوقها، شاهدت كيف تحرم النساء في الغضارف وكسلا تحرم النساء والفتيات من التمتع ولو بالنزر القليل من هذه الحقوق. كل ما ندعو إليه ونطالب بتحقيقه للمرأة والفتيات يكاد يكون معدوما…..وتتعرض المرأة هناك لتحديات جسيمة منذ اللحظة التي تولد فيها حتى كهولتها المتأخرة.. سلسلة لا تتوقف من المعاناة والاحتياجات غير الملباة، تنعدم الخدمات وإن توفرت يكون الحصول عليها رحلة محفوفة بالألم والمخاطر، لا بنى تحتية ولا خدمات تلبي الحاجة في المناطق النائية.
تحدثت مع شباب من الجنسين واستمعت لأفكار جميلة وأمنيات وطموح لا حدود له ، لكن كل هذا الطموح والأفكار والأمنيات حبيسة الفقر وانعدام الفرص والخدمات، فقط لديهم جميعا الأمل والحلم بمعجزات تغير الأوضاع للأفضل وقد تعزز الأمل بما شهدته البلاد من تغييرات سياسية مؤخرا.
خلاصة القول على المجتمع الدولي أن يهب لمساعدة السودان الذي يحتاج لكل شي .. كل شيء
على المجتمع الدولي عدم التباطؤ في تقديم المساعدات لأن من شأن ذلك تعريض التجربة الوليدة لمخاطر حقيقية قد يكون لها مردودات سلبية على كل المنطقة وجوار السودان
النساء والمراهقات والشباب مجموعات ضعيفة ومتروكة خلف الركب ويجب أن تحتل أولوية قصوى في كل برامج التنمية.
في الثامن من آذار على العالم كله الاعتراف بأنه خذل المرأة ليس في السودان فقط وإنما في كل مكان، ليس في بؤر الصراعات والنزاعات فقط ولكن في أماكن مرفهة ومستقر، الحرب والفقر وانعدام التنمية تزيد حقا من معاناة المرأة لكن بات على العالم أن يدرك أن تمكين المرأة وإعمال حقوقها هو المدخل للقضاء على كل هذه الآفات .. الحكومات والمؤسسات والمنظمات والقطاع الخاص والجميع خذل المرأة على مر التاريخ.
إن تمكين المرأة وتحسين وضعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي هو حق إنساني أصيل وقيمة لا يجب التهاون بشأنها، هي الضمانة الوحيد لتحقيق مجتمع قوي متناغم ومترابط وقابل للتطور والنمو والازدهار، تحقيق ذلك هو الفرصة الوحيدة للوصول لمجتمعات آمنة ومستقرة عصية على التفكك والإنزلاق للتوتر والعنف والحروب. إن المشاركة الكاملة والشراكة بين النساء والرجال على حد سواء أمر ضروري في الحياة الإنتاجية والإنجابية ، بما في ذلك المسؤوليات المشتركة عن رعاية الأطفال ورعايتهم وإعالة الأسرة المعيشية.
إن اختيار الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام 2020 تحت عنوان ’’أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة‘‘ لأمر مرحب به في وقت تواجه فيه النساء تهديدات متزايدة نتيجة للحروب والهجرة والنزوح الداخلي سواء للعائلات بأسرها أو للمعيلين الأساسيين. إن هذه التحديات تفرض على المرأة مجابهة مخاطر متعددة وأعباء ثقيلة لا يمكن احتمالها. ليس هذا فحسب بل وتنتزع منهن كافة وسائل وفرص القوة والتأثير.
يجب أن يشكل عقد العمل حتى 2030 ،موعد إنجار أهداف التنمية المستدامة، عقدا يرفض الواقع الذي يقبل أن تجبر المرأة على فرص و تعليم رسمي أقل من الرجل وأن تفرض عليها ترتيبات وأفكار وأنماط وحتى أنظمة جائرة تعيق تمكينها من حياة صحية ومرضية على العديد من مستويات المجتمع . لقد جر هذا الواقع الظالم الكثير من الويلات لكن معاناتهن تظل صامتة ولا تحظى بأي اهتمام وفي أوضاع الفقر يوزع المتاح بشكل ظالم لصالح الذكور.
التعليم المتكافئ هو المدخل الأساسي لتحقيق المساواة الكاملة وتمكين المرأة، وقبل 25 عاما تم اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين الذي جدد التمسك بما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأن “لكل شخص الحق في التعليم” ورغم التعهدات المتلاحقة من دول العالم للوصول الشامل إلى التعليم الأساسي تشكل النساء ثلثي عدد الأميين في العالم الذي يقترب من مليار شخص، وأكثر من ثلث البالغين في العالم، معظمهم من النساء، لا يحصلون على المعرفة المطبوعة ، أو المهارات الجديدة أو التقنيات التي من شأنها تحسين نوعية حياتهم ومساعدتهن على تشكيل والتكيف مع التغيير الاجتماعي والاقتصادي. هناك 130 مليون طفل غير مسجلين في المدارس الابتدائية 70 في المائة منهم من الفتيات.
إن صندوق الأمم المتحدة للسكان يعمل بشكل وثيق مع مختلف الدول والشركاء المحليين والدوليين من أجل القضاء على جميع الممارسات التي تميز ضد المرأة بما في ذلك تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية والجنسية وكافة صنوف العنف القائم على النوع الاجتماعي ومن ذلك تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية “ختان الإناث”.
يتطلب تحقيق التغيير إجراءات في مجال السياسات والبرامج لزيادة الوعي الاجتماعي من خلال برامج فعالة للتثقيف والاتصال الجماهيري بالإضافة إلى ذلك ، فإن تحسين وضع المرأة يعزز أيضًا من قدرتها على اتخاذ القرارات على جميع المستويات في جميع مجالات الحياة ، وخاصة في مجال الحياة الجنسية والإنجاب. وهذا بدوره ضروري لنجاح البرامج السكانية على المدى الطويل. وتبين التجربة أن برامج السكان والتنمية هي الأكثر فعالية عندما تتخذ خطوات في وقت واحد لتحسين وضع المرأة
ولقد تضمن إعلان بجين كذلك اعتماد تدابير مناسبة لتحسين قدرة المرأة على كسب دخل يتجاوز المهن التقليدية ، وتحقيق الاعتماد الاقتصادي على نفسها ، وضمان وصول المرأة على قدم المساواة إلى سوق العمل ونظم الضمان الاجتماعي والقضاء على الممارسات التمييزية التي يمارسها أرباب العمل ضد المرأة ، مثل الممارسات القائمة على إثبات استخدام وسائل منع الحمل أو حالة الحمل.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.