ضياء الدين بلال: سهر حمدوك!
العين الثالثة
سهر حمدوك!
ضياء الدين بلال
-١-
المنافسة كانت ساخنةً في تسعينيات القرن الماضي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي.
الجنرال المخضرم بوب دول في مواجهة السياسي الوسيم عازف السكسفون بيل كلنتون.
كانت المواجهة في مرحلة تنافسية على مستوى الصورة لا مضمون البرامج !
دول بكل خبرته العسكرية والسياسية وكلينتون بشبابه الناضر ولسانه الذرب!
اضطر بوب دول لإجراء تدريبات مكثفة، بمعاونة خبراء إعلام وعلم نفس وبرتكول ضمن طاقم حملته الانتخابية حتى ينجح في كسب معركة الصورة.
لا شيء يُترك للصدفة: اختيارُ الكلمات في الخطاب، طريقةُ نطق الكلمات، لغةُ الجسد حركة العينين.
-٢-
بعد إعادة قراءة الخطاب التدريبي لأكثر من مئتي مرة واجهت خبراءَ دول، مشكلةُ ما يعانيه من عطب بأعصاب إحدى يديه.
كان ذلك نِتاج إصابة الحرب في فيتنام، كان الخيار يتجه لمحاولة إخفاء الإصابة.
كان خيارُ الخبراء أن يُبرز بوب دول إصابة يده أثناء مخاطبة عضوية الحزب كدليلٍ على شجاعته وخبرته العملية.
في مقابل محدودية تجربة منافسه وما يُثار عن تهربه من أداء الخدمة العسكرية.
-٣-
كنت ضمن المنتظرين والمترقبين لخطاب السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
كل ما تأخر الوقت وتلفزيون السودان يلحُّ في تأكيد أهمية الخطاب ارتفع سقفُ التوقعات.
ما الذي دعا سعادة رئيس الوزراء ليجعل الشعب يستيقظ إلى ما بعد الواحدة صباحا إلا لأمرٍ جَلل وذي تأثيرٍ كبير على حياتهم.
-٤-
كنتُ بالمنزل أقاوم النعاس و هواتف مدير التحرير عطاف محمد مختار لا تتوقف، ورئيس قسم الأخبار محمد البشاري ينظر إلى ساعته ثم يرفع هاتفه ( يا أستاذ اتأخرنا شديد خلينا نطلع ونرسل الصحيفة إلى المطبعة؟).
كان ردي واضحاً : ليس هنالك خيارٌ سوى الانتظار إلى أن يُدلي الدكتور عبد الله حمدوك ببيانه المهم.
-٤-
كنت بين سِنَةٍ ونوم حينما تم بثُّ الخطاب ولم يكن فيه ما يستدعي الانتظار طوال ذلك الوقت.
وإلى هذه اللحظة لا أعرف سبباً واحداً يفرض على دكتور حمدوك ومستشاريه شدَّ انتباه المواطنين وحرمانهم من النوم ورفع سقف توقعاتهم، دون أن يكون هنالك جديدٌ ذو قيمة!
بياناتُ ما بعد منتصف الليل نادرةٌ في تاريخ السياسة السودانية، ما جاء به خطاب رئيس الوزراء كان قابلاً للانتظار إلى أكثر من ٤٨ ساعة.
وربما ما أراد قوله ليلاً كان بالإمكان الإدلاء به نهاراً عبر بيان صحفي مختصر، لا يتجاوز السطرين عبر وكالة سونا للأنباء.
بل لو كان له ناصحون لأشاروا عليه بأن ما جاء في بيان وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة يكفي ويُغنى عن المزيد .
-٥-
اعتيادية الخطاب وميقاته الشاذ وأداء حمدوك أثناء تلاوته والأخطاء المصاحبة لعملية البث، كل ذلك يكشف عن وجود قصور وخلل كبير في مكان حساس ومهم.
أخطاء بالجملة:
أهم ما جاء في البيان -وهو أمر معاد- تشكيل لجنة تحقيق، كان متاحاً في صفحات بعض الناشطين قبل أن يبث الخطاب في ذلك الوقت المتأخر!
رغم أن تلفزيون السودان ظل يدعو بحماس لثلاث ساعات لانتظار الخطاب المهم فإذا بالقنوات الخارجية الجزيرة مباشر وإسكاي نيوز تسبقانه في البث!
لا يمكن تصور أن خطاباً لرئيس الوزراء في أي دولة من الدول مهما كان بؤس حالها يمر للمشاهدين دون عملية مونتاج!
دعك من عدم وجود مونتاج يفْصل بين ما يدور في الكواليس وما يصلُح للعرض؛ هنالك أخطاءٌ فنية بدائية فاضحة، للأسف شاهدها العالم أجمع .
-٦-
الأخطاء كانت على مستوى الصورة والصوت والشكل .
الكاميرا كانت أعلى من مستوى نظر المتحدث، مما أضعفَ التواصل مع المشاهد، وجعل بصرَ دكتور حمدوك مبعثراً بين القراءة من الورقة والنظرِ إلى عدسة الكاميرا.
الصوتُ كان غير واضح بدرجة مناسبة وذلك لدخول أصوات طبيعية دون فلترة فنية.
المقعدُ الذي جلس عليه رئيس الوزراء لا يتناسب مع طبيعة هذه الخطابات.
لم يكن من الصعوبة استخدامُ برومتر (شاشة قراءة) لتلافي ذلك الإرباك البصري المحرج.
تجاوزت الفضائيات حتى الولائية منها منذ سنوات قراءة النشرات من الورق دعك من كبار المسؤولين .
أسرف الدكتور عبد الله حمدوك في استخدام لغة الجسد أثناء القراءة من الورق.
-أخيراً-
الأخطاء واردة في أي عمل إعلامي أو غيره لكن ما حدث صباح أمس، لا يخرج عن كونه استهتاراً وتهاوناً مريعاً أو قلة معرفة وضعف كفاءة يدعو للقلق، مما يمكن أن يحدث غدا!ً
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.