بالقرب من مُحيط القيادة العامة للقوات المسلحة “بالخرطوم” أطالت “مُنى” نظرها نحو مقر ساحة الاعتصام، تحمل علم السودان، تُردد بصوتٍ خافت تحية العلم، تُشيح بنظرها مُستعيدةً تفاصيل أولى المواكب التي خرجت فيها وهي تهتف “الشعب يُريد اسقاط النظام”.
الخرطوم: باج نيوز
في رحلةٍ عكسية هذه المرة ينطلق من الخرطوم قطار الثورة متجهًا إلى عطبرة لإحياء ذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، ومن عطبرة يستعيد المهندس عبد الجليل سمير في حديثه لـ(باج نيوز) ذكريات الـ19 من ديسمبر ويقول: “صباح الـ19 من ديسمبر كانت المدينه ما تزال هادئة إلا من سخط في صفوف الخبز والبنزين، وعندما أشارت عقارب الساعة إلى العاشرة صباحًا خرج طلاب المدرسة الصناعية “للفطور” .
في محل “العم معتصم” تفاجئوا بارتفاع سعر ساندوتش “الطعمية” إلى 15 جنيهًا.
الاحتجاج الأول
وأضاف: “كان الاعتراض والاحتجاج الأول هناك، بعدها خرج الطلاب في مجموعات نحو السوق بهتافات غير منظمة تندد بالوضع لتصدهم الشرطة بالقرب من المحكمة”، لافتًا إلى أنهم عادوا أدراجهم لكن استمرت حركة الطلاب إلى أن إستطاعوا الوصول لسوق عطبرة لينضم إليهم المواطنين في أول موكب عام.
ساعاتٌ قليلة ثم خرجت عطبرة عن بكرة أبيها لتملأ الشوارع، خرجت النساء قبل الرجال فكانت شرارة الثورة.
حرق دار الوطني
حين تستعيد منى بذاكراتها صور الحريق الذي شب بدار المؤتمر الوطني تدرك أن حالة الفصام بين الشعب والنظام السابق قد وصلت مداها، وأن رمزية الدار المشتعل لم تكن إلا إشارةً لبداية السقوط.
في الخامسة من عصر الـ19 من ديسمبر أحرق المتظاهرون دار المؤتمر الوطني، أُغلقت مداخل المدنية واستمرت الاحتجاجات في الشوارع حتى ساعات الفجر الأولى.
ويقول عبد الجليل إن عدد الشهداء الذين سقطوا خلال الاحتجاجات في عطبرة أربعة وهم طارق أحمد وخالد ومريم محمد، ومختار عبد الله، “قتلت مريم في منزلها بطلقٍ ناري وكانت تتوضأ لصلاة المغرب، أما مختار الذي زف شهيدًا كان عريسًا وقتها استشهد في الـ١١ من أبريل أمام مبني الجهاز عندما ذهبوا لإخراج المعتقلين”.
مطالب اقتصادية
على الرغم من أن الخبر كان شرارة الاحتجات لكنها تحولت في غضون أيام إلى شعاراتٍ مطلبية فليس بالخبز وحدهُ يحيا الإنسان، فقد اتخذ النظام الحاكم مواقف متعددة في سبيل علاج وإدارة الأزمة الاقتصادية وتبعاتها، وإن كان لجأ خلال مسيرة الـ 4 أشهر من عمر الثورة إلى محاولة قمع المظاهرات إما بالقوة المفرطة أو باتهام جهاز ﺍﻟﻤﺨﺎﺑﺮﺍﺕ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ بدعم الحراك، ثم حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، وإلى فزاعة الإسلاميين القديمة “الحزب الشيوعي”، وأيضًا اتهام شخصيات تقيم بالخارج لم يسمها الحزب الحاكم، ثم أجندة خارجية، مرورًا بما اعتبر تهديدًا بما يمكن أن يؤول إليه حال السودان مثل سوريا على سبيل المثال.
ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺃﻧﻪ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ ﻭﺍﻟﻼذﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﻦ اﺩﻋﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، إلا أن الناظر لاتهامات النظام المختلفة يجد أنها لم تكن إلا مخاطبة لمخاوف الشعب ولعبًا على أوتار قديمة أفلحت من قبل في الحد من أيّ بوادر احتجاجات ضد النظام الحاكم، لكن للشعب كانت كلمتهُ “أنا الشعب.. أنا الشعب.. لا أعرف المستحيل”.
عن الثورة
عن الثورة في ذكراها الأولى يقول محمد الأمين لـ(باج نيوز): الثورة لم تكن فقط على النظام الحاكم بل ثورة على المخاوف، الانحياز، الصمت، ثورة على الأصنام بداخل كل فردٍ منا، فالثائر يبني قيمًا يؤسس لها في نفسه والمجتمع.
وينظر محمد إلى أن ما حققتهُ الثورة حتى اللحظة بالإنجاز إلا أن ثمة ملفاتٍ عديدة في انتظار أن تتوج بها الثورة أهمها تحقيق العدالة والقصاص للشهداء.
أما بشير الشريف فيقول في حديثه لـ(باج نيوز): من الصعب أن نحتفل حتى يعود حق “الناس” لسة “ما جابوا حق أخوانا الشهداء”، ينبغي أن يظل للثورة زخمها.
ويرى بشير أن العديد من مطالب الثورة لم تتحقق، وأضاف: “لم نر محاسبة حتى الآن، لا حقوق عادت، هناك بطء فمن الضروري أن يكون الشارع رقيبًا وهذا دورنا عبر تسير مواكب أكثر من كونها احتجاجات إذ يجب أن يكون الصوت مسموعًا”.
ولا يسع بشير في ذكرى الثورة سوى أن يترحم على الشهداء من أول شهيد سقط في عهد الانقاذ، وأضاف: مكملين الدرب “يا جبنا حقهم، يا لحقناهم”.
أهم الانجازات
على الرغم من البطء الذي يصاحب أداء الحكومة الانتقالية باعتراف بعض وزرائها وأعضاء مجلسها السيادي، والتحالف الحاكم “قوى إعلان الحُرية والتغيير”، إلا أن مسؤولي الحكومة الانتقالية يعددون الكثير من الانجازات ومطالب الثورة التي تحققت على حد تعبيرهم، فأهمها كان مصادقة مجلسا السيادة والوزراء في الـ28 من الشهر الماضي على قانون “تفكيك نظام الاتقاذ” الذي قضى بحل المؤتمر الوطني- الحاكم سابقًا- ومصادرة ممتلكاته، مع حل الواجهات النقابية والمهنية، وأصدرت لاحقًا لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال قرارها رقم “1”، بتشكيل لجنة لتصفية حزب المؤتمر الوطني المحلول.
قرارها رقم “2” والقاضي بحل المكتب التنفيذي ومجلس نقابة المحامين السودانيين، كما أصدرت أيضاً قرارها رقم “3” والقاضي بحل النقابات والاتحادات المهنية واتحاد أصحاب العمل.
ويُعتبر قرار حل حزب المؤتمر الوطني أحد أهم وأولى مطالب الثورة، فيما تمضي الحكومة الانتقالية في خطواتٍ واسعة لمحاولة تحقيق إحدى أهم أولوياتها على حد تعبير رئيس وزرائها عبد الله حمدوك “وهو السلام”.
أما رأس النظام السابق الذي أعلن لحظة السقوط عن اقتلاعه والتحفظ عليه في مكان آمن تم الحكم عليه في الـ14 ديسمبر حيثُ أدانته المحكمة بالأشتراك الجنائي والتعامل بالنقد الأجنبي، وقضت بايداعه في دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.