إيمان كمال الدين: خُرم إبرة
كانت الساعة تشير إلى الـ(00:00) حيثُ البدايةُ والنهاية، قبل شهرٍ من نهاية العام، عام الفيضان، كنتُ قد خرجتُ لتويّ إلى الحياة وأنقطع الحبل السري بلا فرصةٍ للتعلق مرةً أُخرى، كان المكان مظلمًا لكن بداية حياتي كانت هناك، لو كان الخروج إلى الحياةِ قرارًا نتخذهُ لظلننا ننظر إليها من ثقبٍ صغير دون أن يملأنا الفضول أو الشغف لنعبر إليها، لكننا جميعنا خرجنا إليها بدفعاتٍ من ألم ومخاضٍ نختبره لاحقًا، أما أنا فجرني الطبيب بإحدى أدواته من رأسي لقد تعلقت بالداخل، ما فعلهُ أحدث ورمًا برأسي زال بمرور الوقت، لكني جُررت إلى الحياة فهل يعني ذلك أن هناك ما يتوجب عليّ القيام به..؟
أكتبُ الآن وكل شيء يمضي نحو الهاوية، ليست المرةُ الأولى ففي كل مرة أشعر أنني سأصل إلى الهاوية وسأسقط لأرتاح أخيرًا، لكن يبدو أن الطريق إليها ما زال طويلًا، أكتب لأنهُ لا يتسنى لنا كثيرًا أن ندون ما نشعرُ به ونحن نتدحرج نحو الهاوية.
أميلُ دومًا إلى وضع النهايات لا أحبُ القصص المليئة بالإحتمالات أو النهايات المفتوحة، يجب أن تكون هناك نقطةٌ في نهاية السطر، وعلى ما يبدو أنني وحدي من أحبُ ذلك، جميعهم مضوا والأبواب مشرعةً من خلفهم، غرقتُ لبعض الوقت بين علامة الإستفهام كانت هناك أسئلة بحاجة لإجابات، ما الذي نفعلهُ كبشر ببعضنا البعض..؟ الحبُ يتحول هو الآخر إلى سلعة ثمنها الألم، ولعلهُ المخاض، مخاض الولادة الأولى البدايات.
كنا وقتها نواجه وقتًا عصيبًا، الإعتقالات السياسية، مصادرة الصحف، الموت داخل المعتقلات، بعضهم كان يواجه الموت سريعًا وآخرون يلفظهم من الحياةِ ببطء، كنتُ حين أرى الحزن يتدفق من كل مكان على الموتى أقف لأخبرهم أن من فارقوا الحياة قد حصلوا على الراحة أخيرًا، هل هناك ما هو أشد بؤسًا وألماً أن تختبر مخاض ولادتك في الحياة مرةً تلو أخرى، وأن تخرج منك في أوقاتٍ لا تحصى نسخةٌ أخرى منك، لا تدرك بعدها هل أنت متجهٌ نحو الكمال أم أنك ستغدو مسخًا في نهاية المطاف.
كنا نتنفسُ من خُرم إبرة وبذات الإبرة نُعيد حياكة جروحنا، إذا ما نظرنا للحياة كما هي فإن أوقاتنا فيها تبدو قليلة، بعضنا كان يصنع لنفسه عالمًا يلوذ إليه، والبعض الآخر كان يبحثُ عن الحب.
كنتُ كشخصٍ ظل راكضًا لأسبوعٍ كامل دون أن يجد النهاية ليتوقف، كان الطريقُ ممهدًا للركض وكنتُ بحاجةٍ لألتقط أنفاسي، وبذاتِ الوقت كنت أخشى أن أتوقف مخافة أن أسقط بلا حراك، لذا كنتُ بلا خيار.
كنتُ أواجه موت جدتي همزة الوصل بين الماضي والحاضر ولا أمر من الخلاص سوى انتظاره، ولا أشقى على الذاكرة من إستحالة القريب غريباً ، ستتهتك أوصال الذاكرة وهي تعيد مسح الذكريات ذكرى تلو أخرى، في المرة القادمة لن تسعفني ذاكراتي فكلما تقدمنا بالعمر كل ما فقدنا قدرتنا على التجاوز فنحن نغدو في نهاية المطاف مستسلمين لا جدوى من إعادة التدوير خطوتان والقبر ولا معنى للحياة برمتها، ولقد كلفني هذا الأخير أكثر من ذاكرة وأكثر من موت.
نخطيء وبعض الخطايا بلا مغفرة، وحدهُ الله من يمنح المغفرة عن أيّ شيء، أما نحن على هذه الأرض فعلينا أن نتخير خطايانا، فنحنُ لا ندرك أيّ خطيئةٍ تُلقي بنا في قعر جهنم.
مثلي لا يُجيدون تخير الخطايا، كيف ذلك وأنا خطيئةٌ كبرى.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.