حيدر المكاشفي: احصائيون ظرفاء
بشفافية
الطرفة القديمة تقول أن المزارع القروي البسيط دخل المدينة حاملا منتجاته من عجور وتبش وقرع على ظهر حماره، وعلى مشارف سوق المدينة ربط الحمار فى جذع شجيرة ودخل السوق يبيع ويشتري، وعندما أذنت الشمس بالمغيب كان الرجل قد باع ما معه واشترى ما احتاجه وهم بالعودة قافلا الى القرية، ولكنه فوجئ بأن الحمار ليس فى مربطه، فطفق يبحث عنه هنا وهناك جائسا خلال طرقات المدينة وأزقتها بحثا عنه بلا جدوى، وحين بلغ به التعب مداه استعوض الله فى حماره وقرر ان يذهب الى النيل ليغتسل من وعثاء البحث ويرتاح قليلا ليغذ بعدها السير (كداري) الى القرية، وبعد أن اغتسل استلقى على الشاطئ لأخذ قسط من الراحة وفى الأثناء حضر حبيبان شاب وشابة وجلسا بالقرب منه، وكان صاحبنا يسترق السمع باستمتاع لهمسات وآهات هذين العشيقين، وفي لحظة بلغ الهيام بالعشيق مداه فقال لحبيبته (من شدة ما بحبك بشوف الدنيا فى عيونك)، وعندها نهض صاحبنا من رقدته كمن لدغته عقرب وقال مخاطبا الشاب (عليك الله شوف لى حمارى دا معاك)..وفى خبر آخر مماثل اذكر أن أخونا الكاتب الصحفي أحمد المصطفى إبراهيم قال فى خبره أن وزيراً للثروة الحيوانية بولايةٍ ما ذكر فيما ذكر من إحصائيات كان يستعرضها بزهو وإعتداد أمام حشد من الملأ أن بالولاية كذا مليون حمامة، وحين ضجّ المستمعون بالضحك تحداهم بأن الحساب ولد وليخرجوا ليجوبوا أرجاء الولاية بيت بيت ودار دار وزنقة زنقة وشجرة شجرة ولـ (يصنقعوا) إلى رؤوس البيوت والاشجار ثم يطاطئوا رؤوسهم إلى الارض ليحسبوا عدد الحمام وإن وجدوه كاذباً لا شك أنه سيلقي باستقالته على وجوههم، ولا ننسى تلك الاحصائية التى كان قد تكرم بها أحد مسؤولي صحة البيئة عن اعداد البعوض والذباب بكل منزل من منازل ام درمان، أما آخر الاحصائيات الطريفة فقد جاءت على لسان مدير الطرق والجسور بولاية الخرطوم الذى احصى35 الف حفرة بشوارع الخرطوم، فى حواره مع صحيفة الانتباهة الصادرة أمس..
الشاهد فى هذه الاحصاءات أن عدد الشركات التي تملكها الحكومة عبر أذرعها المختلفة، وخاصةً مثلث القوة، الجيش والشرطة والأمن، أضحى وأمسى وأصبح الوصول للرقم الحقيقي والكلي لعدد هذه الشركات عصياً على كل القدرات ولن يستطيع الوصول إليه إلا من توفرت له قدرة وحنكة ومهارة امثال احصائيونا المذكورين، أو من خصّه الله بقدرة خارقة يستطيع معها بسهولة ومن نظرة خاطفة أن يفرّق بين الشيصبان والقسعاء وهما داخل جحر النمل، فلا أحد يعلم حتى الان عدد هذه الشركات، لا المراجع العام ولا المسجل التجاري ولا وزارة المالية، كما لا أحد يستطيع أن يعلم ما دام أن كل هذه الجهات المختصة حاولت أن تعلم ولكنها فشلت في أن تحصيها عددا، ومن لم يستطع أن يحصها عددا فهو بالضرورة أعجز من أن يشتتها بددا، ربما هؤلاء الاحصائيون الذين استطاعوا احصاء عدد الحمام وعدد البعوض والذباب وعدد الحفر هم وحدهم القادرين على أن يحلوا لغزهذه الشركات الاخطبوطية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.