محمد أبشر: التمويل الأصغر / الفرص.. والتحديات

يتسم هذا النوع من التمويل المصرفي بقدرتة الفائقة على خلق فرص عمل كثيرة، وهذا بالطبع يؤدي بشكل تلقائي الي إنضمام عدد كبير من المواطنين الى الاندماج مع الجهاز المصرفي كعملاء جدد ويحقق زيادة معدل الشمول المالي كأحد أهم أهداف الالفية للتنمية المستدامة , لا سيما فى الريف والمناطق الاقل نمواً ، مما يؤدى ذلك حتماً الى زيادة الموارد للمصارف وزيادة الادخار التراكمي وتوجيه نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

كما نجد أن سهولة إنتشار مؤسسات التمويل الأصغر في مناطق الريف السوداني الذي يعاني التهميش من وصول مؤسسات مصرفية ضخمة مثل البنوك ذات الطبيعة التجارية البحتة تساعد في رضا المواطنين النشطيين إقتصاديا والذين يشعرون بالغبن الاجتماعي، والعملية التمويلية نفسها بمنظور حديث هي عملية توزيع وأداة لتفتيت الثروة عبر آلية التمويل الأصغر والتي هي بالطبع تلعب نفس دور مؤسسات الوساطة المالية في تحريك فوائض الاموال وتصويبها نحو الإنشطة الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، والتي يعتبر توفر التمويل أحد أهم عقباتها مع تحديات أخري ترتبط بالسياسات النقدية فيما يتعلق بمستويات التضخم العالية والسياسات المالية والسياسات المتعلقة بشؤون التجارة وغيرها من العقبات المرتبطة ببيروقراطية الإجراءات التي تعيق عملية تشجيع الانتاج وثقافة العمل الحر ومشروعات ريادة الأعمال .

أيضا من أهم الفرص لنجاح التمويل الأصغر هو إهتمام بنك السودان المركزي من وقت مبكر بتسهيل العديد من الإجراءات ودعمه المالي والفني لتطوير هذا القطاع ودمجة ضمن منظمومة العمل المصرفي وتأسيس وحدة التمويل الأصغر حتي وصل عدد المؤسسات العاملة في هذا المجال الي 44 مؤسسة وعدد إثنان بنك وهما بنك الاسرة كبنك متخصص ويوجه كل محفظة بنسبة 100% للتمويل الاصغر وبنك الادخار بنسبة 66%من محفظته التمويلية لصالح التمويل الاصغر.

ولكن بالرغم من كل الجهود التي بذلت فأري أن هنالك الكثير من المطلوبات لدمج التمويل الاصغر والمتوسط ضمن السياسات الكلية للإقتصاد وعمل هذا يجب ان يتم من خلال إجراء دراسات وورش من قبل الجهات المختصة بغرض تطوير التجربة وإجراء دراسات نقدية لها؟ وربطها ضمن التخطيط الإستراتيجي للدولة و متطلبات مرحلة التغيير الهيكلي للإقتصاد السوداني بإعتبار إنها تستهدف قضية حيوية وهي مكافحة الفقر .

وفي تقديري أهم هذه التحديات هي تحديات الموارد المالية فنجد أن أغلب هذه المؤسسات ضعيفة رأس المال مقارنة بالبنوك الاخري وتستفيد في جانب الموارد بشكل كبير من موجهات البنك المركزي الذي خصص نسبة 12% من محافظ التمويل للبنوك لصالح التمويل الأصغر ، وهذا المورد يزيد تكلفة التمويل للعملاء؟ لأن البنوك تعطي حصتها غالبا في شكل مضاربات لبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر بنسبة ارباح تتجاوز 10% وهذا في رأيي يهزم البعد الاجتماعي والتنموي للتمويل الاصغر ويجعل من بنوك التمويل الاصغر مؤسسات تجارية بشكل خفي لأن التكاليف الادارية لدي هذا النوع من التمويل عالية جدا.

لذا أري أن تولي الدولة أقصي درجات إلاهتمام بزيادة رؤوس الأموال وضخ مضاربات طويلة الاجل بشروط ميسرة في هذه البنوك المتخصصة في التمويل الأصغر تمكنها من الإنتشار الجغرافي و من بناء مركز مالي قوي يمكنها من تقديم خدمات مالية وغير مالية مثل الاستشارات والتدريب، وهذا عبر تخصيص جزء مقدر من الودائع الحكومية والأموال الدافئة مثل الاوقاف والزكاة وغيرها من الموارد المالية كإستهداف منح وقروض ميسرة لصالحها من المؤسسات والمنظمات الدولية التي تهتم بالأنشطة التي تعمل في تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومكافحة الفقر وتمكين المرأة الريفية.

كما أن السياسة النقدية الانكماشية التي ينتهجها بنك السودان المركزي بقدر ماهي مفيدة لكبح مستويات التضخم فيما يخص سياسات الاحتياطات النقدية التي تؤخذ بنسبة متساوية للمصارف؟ كنسبة من الودائع أري أنها تحرم بنوك التمويل الأصغر من موارد يمكن أن تساعدها في تقوية موقفها السيولي ولا سيما أن هذا النوع من التمويل يتميز بسرعة دوران وخلق السيولة لصالح محافظها التمويلية.

وكذلك السماح لها بتأسيس شركات تعمل في مجالات ذات صلة بالنشاط التمويلي فيما يخص إستيراد المواد والماكينات والتكنولوجيا البسيطة من اجل المساهمة في خفض تكلفة التمويل التى تتجاوز في بعض الأحيان 22% للعام المالي؟ وحماية عملاء التمويل الأصغر والمتوسط حتي تتمكن من الاعتماد علي ودائع المتعامليين معها في المدي المتوسط والطويل.

أخيراً / يجب أن تضع الحكومة في سلم أولوياتها مراجعة وتقويم تجربة التمويل الأصغر وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وان تستفيد من تجارب الدول التي نجحت في ذلك من خلال مكافحة البطاله وتحريك عجلة الانتاج وتمهيد أرضية صلبة ونقطة إنطلاق للمشروعات الكبرى وحققت عبرها مستويات قياسية في النمو الاقتصادي والاجتماعي.