الصفقة التي تضع السودان بين الصعود أو الهبوط
الخرطوم: باج نيوز
جيد جداً حتى الآن! هكذا كان رد فعل بعض المحللين على اتفاق تقاسم السلطة السياسية الذي وقعه المجلس العسكري الحاكم في السودان وجماعات المعارضة التي أنهت باحتجاجاتها الطويلة ديكتاتورية الرئيس عمر البشير الطويلة أيضاً. «جيد أم لا» ليس السؤال، فالسؤال الحقيقي هو إلى أي مدى يتسع تعبير «حتى الآن» الوارد أعلاه؟ الجواب المختصر ربما يكون كالتالي: «ليس بعد زمن بعيد». «فالصفقة» التي يصاغ الآن شكلها القانوني النهائي تهتم أساساً بآليات القوة بدلاً من استراتيجية يهتم جوهرها بوضع الدولة الشرق أفريقية في مسار مختلف.
وبموجب الاتفاق، سيسهم المجلس العسكري الانتقالي السوداني والمعارضة المتمثلة في قوى «الحرية والتغيير» على قدم المساواة في تشكيل مجلس يتكون من عشرة أشخاص يحكم البلاد مع تناوب كل جانب القيادة لمدة ثلاث سنوات أو أكثر تنتهي قبل نهاية الانتخابات.
ونظراً لأن أسبوعاً واحداً في السياسة يعتبر أمداً طويلاً، فمن الواضح أن ثلاث سنوات ستكون أطول، خصوصاً عندما نضع في الاعتبار أن الجيش السوداني يحظى بتاريخ طويل من التحركات التكتيكية بالسير خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.
قد يجري تصميم الصفقة بأكملها لتقليص عدد القضايا السياسية والاقتصادية والأخلاقية التي نشأت للتو نتيجة للانتفاضة الوطنية إلى ثلاثة إجراءات.
أول إجراء هو إنشاء مجلس الحكم الذي بدا عن كثب، كأنه استمرارية للطغمة العسكرية ببريق مدني. أما الإجراء الثاني فسيقلص من ثلاثة عقود من القمع على نطاق واسع ليختصرها إلى إجراء واحد فقط هو التحقيق في مذبحة 3 يونيو (حزيران) التي راح ضحيتها كثير من المدنيين على أيدي «الوحدات الخاصة» التابعة للجيش.
وأولئك الذين يأملون في إجراء تحقيق شامل ومنتظم في عدد لا يحصى من التقارير عن السجن غير القانوني والتعذيب، وحتى القتل خارج نطاق القضاء، يجب عليهم الانتظار ليوم آخر، وربما صفقة أخرى.
وليس هناك احتمال لعملية مصالحة حقيقية لإغلاق فصل دموي من تأليف البشير وشركائه، ناهيك بحرب الإبادة الجماعية في دارفور وفقدان جنوب السودان وسنوات من الفتنة المدنية الملطخة بالدماء. الإجراء الثالث هو حصر الفساد في السودان، الذي جعل منه البشير أسلوب حياة أكثر منه انحرافاً، في محاكمة زائفة للقائد الذي سقط بتهمة اختلاس واحدة.
هناك حاجة ملحة لقضايا أخرى: كيف سيتصرف النظام الجديد، إذا كان يستحق مثل هذا الوصف، في مطالب المحكمة الجنائية الدولية بتسليم البشير وبعض أعوانه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟.
كيف انتهى الأمر بدولة تجاوزت عائدات النفط بها 200 مليار دولار لأن تصبح مدينة بمبالغ تتجاوز 55 مليار دولار لدول أجنبية؟ من قرر بيع مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة للصين؟ ومن جنى الأموال؟.
هل يمكن أن يتعامل نظام عسكري غير كفء مع اقتصاد في حالة ذوبان بعد أن وصل التضخم إلى نحو 70 في المائة؟
من خلال الاحتفاظ بالسيطرة على مختلف الأجهزة الأمنية، قد يسيطر على الجيش وهم بأنه في وقت ما في المستقبل قد يصبح الجيش قادراً على دفع مارد التمرد الوطني إلى الزجاجة مرة أخرى.
قد تكون محاكمة البشير مجرد مهزلة، كما يوحي بعض المتهكمين بأنها ستكون بالغة السوء، لكن الأمر سيكون أسوأ إذا لم تكن محاولة حقيقية، بل مجرد تقديم كبش فداء للمستبد الذي سقط. لقد ادعى حزب الرعب في الثورة الفرنسية أنه بقطع «رأس النظام» قد يتجنبون قطع كثير من الرؤوس. لكنهم سقطوا في دوامة من الرعب حصدت رؤوس الكثيرين، ولم يستطع أحد إيقافها وانتهى الأمر بقطع رؤوسهم أيضاً.
البشير بالتأكيد ليس ملاكاً. ومع ذلك، سيكون من الخطأ أيضاً الادعاء بأنه الشيطان الوحيد. إن الطاقة والاعتدال اللذين أظهرهما الشعب السوداني خلال تمرده المفاجئ يدلان على استعداد وطني لبداية جديدة وقبول المعارضة لما قد يكون بعيداً عن «الصفقة» المثالية، وهو ما يدل على كثير من النية الحسنة من جانب المعارضة. إن أخذ هذه النية الحسنة دليلاً على سذاجة المعارضة قد تكون له نتائجه العكسية بالنسبة للجيش وسيمثل خطورة على السودان.
ورحب بعض المراقبين بالصفقة كخطوة أولى. قد تكون خطوة أولى لكن المهم هو معرفة اتجاه وهدف تلك الخطوة؛ فالشعب السوداني لديه الرغبة والقدرة على التحرك نحو نظام حكم قائم على الشعب وسيادة القانون. لكن هذه «الصفقة» بشكلها الحالي لا تتضمن السير في هذا الاتجاه دون الإشارة إلى اتجاه معاكس، اتجاه ما بين الضياء والعتمة، في طريق محفوفة بالمخاطر السياسية.
نقلاً عن الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.