عندما وقعت عیناي على الأستاذ أحمد إبراهیم الطاهر یصرح نيابة عن فریق دفاع الرئیس السابق الذي يتكون من 96 محاميا كما قال، حمدت االله ولي النعم، أن مثله یخرج مطمئنا ُ یدفع ببراءة موكله في وضح النهار ..وهو نفسه بوصفه أحد أركان النظام السابق فإن صحائف اتهامه ثرية أقلها إساءة استخدام السلطة والتكسب من ورائها واستغلال النفوذ….الخ من تهم…لكن كي لا تخيب فرحتنا فإننا منذ أن انتصرت الثورة بفضل من الله نرى أن الحریة وسلطة القانون يجب أن يُعملا ..فلا یأخذ أحد بشبهة وأن القواعد الأصيلة للحرية كي تزدهر يجب أن تترك الإحن والجروح لتشفى في أروقة القضاء والمحاكم الخاصة بالعدالة السیيسیة والاجتماعية…َ
بيد أن المرارة تكاد تخنق لهاتي وأنا أرى أننا ما زلنا في القاع نطلق الكلمات الكبار ..فذلك المستقبل الذي يمكن أن تكون فیه الدولة حرةً مع عدم استعدادنا لملأ الفراغ بقوة..لیس فقط لكي تبرأ الجروح جمیعا التي “ربما ” تسبب فیها الطاهر ومن لف لفه، أراه بعیداً، ولكن لتستقیم الطبیعة البشریة في سودان بعانخي العظیم إلى الحرية الإنسانية الفطرية بعيدا عن الخوف والارتباك المقيت، وألا یحلم أحد بأن الاستبداد سیعود أبدأ.
وأنا أرى ككثرة أن قوى الحریة علیها الشروع وبقوة بصيرة نافذة في التفاوض لإكمال الاتفاقات ومن ثم تشكيل الحكومة ومجلس السیادة والمجلس التشریعي الانتقالي. المسؤولیة التي وضعها شعب السودان على قوى الحریة تتطلب الحكمة والعزة معا في تجاوز هوجاء الدعاية المضادة المنظمة المسنودة بمؤسسات ترید لهذا البلد الخراب وأن نرى السودان بينفذ إلى الاستقرار خلال عقد من الزمان.المسؤولية على عاتق قوى الحریة أن تهیأ البلاد لمناخ یقل فیه القتل والفاقة والنفاق…نعم فمرتزقة بیئة الماضي ما يزالون في أوج نشاطهم وجهرهم بأن لا فائدة في انتظار دولة حق ولا طمع في وطن يشرئب إلى نسائم نيله المسجي على مقربة.
كل المثالب التي نراها لن نستطيع أن نبدأ في علاجها إذا بقيت قوى الشر تحكم الخطوات التي نخطوها ..بتحديد أفعال تسلبنا القدرة على القيادة فنصبح تبعا لمزاج عام ینحسر بعد حين وتنكسر أدواتنا في مواصلة الدور المنوط بنا. فمهما كانت المبررات يجب ألا ندور في دائرة الغرق المقيتة ..قبل ان تكتم أنفاسنا بنظام ستسيل من بنادقه دماء كثيرة وتزهق أرواح عزیزة ونعود بعدها إلى مناحات أقمنا سرادقها حتى تملكنا اليأس.
أتحدث عن كل ذلك وأنا یقین أن المجلس العسكري یتواءم مع هذه الروح. فقوى الحریة هي الممثل الشرعي للشعب والمؤسسات النظامية العسكرية شريك أصيل..وهنا أقصد بمشروعیة الثورة. وهذا منطق لیس بالغریب أكادیمیا أو تاریخیا أو سیاسیا. وإذا رأينا المؤسسات العسكرية بواقع ثلاثين عاما من السياسات الممنهجة لتمكين القلة وتهميش الأغلبية الساحقة وازدراء إمكاناتها الفكرية والعقلية فإننا سنتفهم ملابسات ما يحدث وينشأ من اتهامات. كل ذلك لا يمكن تسويته دون الشروع في الانتقال. بيد أن الحق يجب أن يعلن ويؤكد أن هذه المؤسسات ورغم ما حاق بها أثبتت الانتماء المتفرد لهذا الوطن وسيكون دورها محوريا في الخروج به إلى دولة العدل والحرية.
أما قوى الحرية ومكوناتها منحت سلطان قوة بتمثيل أغلب الشعب..وهنا نقول إن أغلب الشعب في الدیيقراطیات العریقة ..فربما تنتخب أقلیة حزبا أو رئیسا فیصبح حكمه على كل الشعب من صوت ضده ومن لم ينتخب أو يسجل نفسه للانتخابات..فالثورات بقواعدها العلمیة الأصیلة لا یمثل فیها “كل الناس”ًولا كل الكیانات ولا تنتصر بهم عددا ولكن فكرة وتوجها.وها هي ثورة السودان انتصرت بفئة أقدمت على الوغى وصبرت ردحا طویلا لتسقط حكما جائرا فاسدا. وذلك بمشاركة القوات المسلحة والشرطة والدعم السریع والأمن…كلهم شاركوا وأنشأوا بیئة جدیدة لیس مكتملة النمو بحكم طبیعة التغییرالثوري في زمان السودان هذا…
إذن قوى الحریة التغيير منحت هذه الشرعية لتقود مكتملة الوجدان بحساب أن الوصول إلى أسس دولة عدل تبدأ بالانتقال ضرورة حيوية لا تقبل التردد..بل هي من صميم واجباتها كممثل “للشعب”.
وحتى من یرفضون التفاوض هم في حوض الثورة المبارك، یجب احترام ما یرون والاستفادة من رفضهم في التأسیس لاتفاقات تؤسس لدولة الخیر…
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.