صاحب السعادة السيد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي
الموقر
السادة أعضاء المجلس الموقرين
السادة أعضاء اللجنة المشتركة لقوي الإعلان والتغيير
السلام عليكم ورحمة تعالى وبركاته
الموضوع : رؤية قانونية حول مأزق السودان ومقترح الحل
لاحظت ومنذ اليوم الأول لانحيازكم لثورة الشباب وغيرهم أن هؤلا ء قد فاجأوا الجميع ويبدو وكأن الأمر قد اعد بليل ولم تمر فترة طويلة كافية لإعداد أمر دستوري مؤقت أو إعلان وثيقة دستورية تحكم الفترة الانتقالية وها السودان ولمدة تدخل الأسبوع الثالث دون رأس دولة ودون حكومة . وخاصة كثير من أهل القانون هم من المعارضة البارزة فمثلا اطلعت كثيرا على مقترحات لأستاذنا علي محمود حسنين لدستور انتقالي وقوانين أخرى للفترة كما كنت أتابع كتابات أستاذنا نبيل أديب كما أن للأستاذ الطيب العباسي حضور ومحاولات كبيرة للإصلاح القانوني وخاصة في أمر النيابة العامة كما لوجود القانونين والقضاة السابقين وخاصة المفصولين وحديثهم واستعدادهم لدعم التغيير .
أولا : حالة السودان :
أ : يعيش السودان ومنذ الحادي عشر من أبريل2019 وحتى الآن بموجب بيان صدر من الأخ الكريم الفريق ركن عوض بن عوف وزير الدفاع ورئيس اللجنة الأمنية العليا وقرر الآتي :
1: الفترة الانتقالية عامين
2 : اقتلاع النظام
3 : تشكيل مجلس عسكري انتقالي
4 : تعطيل العمل بدستور 2005
5 : إعلان حالة الطوارئ
6 : حل مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والمجلس الوطني
7 : يستمر العمل بالمحكمة الدستورية والمحكمة العليا .
ب : تنحي الفريق عوض بن عوف ببيان ثان مؤثر واختار السيد عبد الفتاح البرهان بديلا له وأن الإجراءات ستتم وفقا لقوانين القوات المسلحة .
ج : : خاطب السيد البرهان رئيس المجلس وألغي حالة الطوارئ وانهي تكليف الولاة بالولايات
الدعوة للحوار ، وتشكيل مجلس عسكري لتمثيل سيادة الدولة وتشكيل حكومة مدنية فترة انتقالية لعامين ومحاسبة الفساد وتفكيك الواجهات القائمة
التأكيد على سيادة حكم القانون
د : بيان الناطق الرسمي للمجلس العسكري الانتقالي الأول بالحوار مع القوى السياسية والمجتمع المدني . ثم البيان الثاني وفيه الاعتراف بتحالف قوى الحرية والتغيير .
مما تقدم يلاحظ :
1 : أن فراغا دستوريا يسود حالة السودان فلم تنص البيانات على أمر دستوري كما الأمر الدستوري الأول في حكم عبود 1958 أو انقلاب نميري في 1969 أو الإنقاذ في 1989 والذي أعلن فيه جمهورية السودان جمهورية ديمقراطية السيادة فيها للشعب ، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو السلطة التشريعية العليا والقضائية العليا وخول المجلس الأعلى لرئيسه جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وقيادة القوات المسلحة . وان رأس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء . ونظام الحكم اتحادي ام مركزي وقرر البيانان استمرار المحكمة الدستورية والمحكمة العليا دون سند دستوري كما لم تنص البيانات على استمرار المؤسسات الدستورية الأخرى كهيئة المظالم والمفوضيات كمفوضية حقوق الإنسان وغيرها .
2 : ودون أمر دستوري مؤقت يحدد نوع الحكم في السودان بعد تعليق دستور 2005 تم تعيين ولاة كلفوا بإدارة الولايات وهكذا تصدر القرارات دون الاستناد إلى نص دستوري يعترف به في عالم الدساتير . كما اعترف بتحالف قوي الحرية والتغيير وفاوض أخرى دون الاستناد إلى شرعية تمنح المجلس العسكري حق المنح .
3 : رغم هذا الفراغ الدستوري إلا أن فصيلا أو أكثر يسيطرون بأسلحتهم على القصر الجمهوري والدولة ودون دستور ودون أحكام انتقالية كما أنهم ودون استناد إلى ثورية دستورية نالوها بتحركهم يقومون بإدارة الدولة دون أي شرعية إجرائية يتصرفون في أموال الدولة ومنح الجهات وترقيتها . بل وموجب خطاب ألقي بأجهزة الإعلام يعلق الدستور الحاكم بل ويطلب من المحكمة الدستورية والهيئة القضائية الاستمرار في عملها وهذه فخامة الأخ رئيس المجلس العسكري الانتقالي أجهزة دستورية دون وجود دستور تنهار ويبقى وجودها رجالة فقط لا أكثر .
4 : ورغم ما سبق يحمد للمجلس العسكري الانتقالي ومن قبله المجلس الذي تبني الانقلاب والتغيير عند قيامهم بالاستيلاء على السلطة إعلان تشكيل مجلس عسكري لتمثيل سيادة الدولة وتشكيل مجلس وزراء مدني ولم يحتكر السلطات وفتح الباب فقط لكل الاحتمالات .
ورغم وضوح الإعلان ووضوح أمر السيادة في الدساتير السودانية المؤقتة وخاصة تلك التي تلت الانقلابات أو الثورات في السودان إلا أنها كانت جميعها في ظل حكم برلماني يتوق له الثوار . أما وقد تعدل هذا الرأي وطبق النظام الاتحادي يراعي التنوع والتعايش بل قد يكون المطلب لتحالف الإعلان قد يثير بعض الإشكالات نتحدث عنها في حينها .
فإذن لا بد وقبل الغد إعلان مرسوم دستوري مؤقت يعطي المجلس العسكري الانتقالي السلطات التي تتيح له التحرك تجاه الثوار والتقاء الأحزاب أو منعها ولإضفاء المبدأ الذي تحدث عنه السير الفريق البرهان وهو مبدأ سيادة حكم القانون .
ويترتب على الإعلان الدستوري الأول والذي يفرض الشرعية الدستورية ويحدد صلاحيات المجلس العسكري الانتقالي وسلطات المجلس وإجراءات الحوار مع الجهات المعترف بها . ويعلن فيه توالي صدور المراسيم .
ثانيا : ميثاق إعلان الحرية والتغيير والوثيقة الدستورية :
بالاطلاع على ميثاق إعلان الحرية والتغيير الموقع في الأول من يناير 2019 يبدأ بالتنحي الفوري للبشير ونظامه ، تشكيل حكومة قومية انتقالية من كفاءات وطنية بتوافق جميع أطياف الشعب السوداني ، وقف التهور الاقتصادي وعمل ترتيبات أمنية لاتفاق سلام والإشراف على تدابير الفترة الانتقالية وعملية الانتقال وإعادة وتطوير المنظومة العدلية واستقلال القضاء وتمكين المرأة وتحسين علاقات السودان الخارجية والتزام الدولة بالدعم الاجتماعي وإقامة مؤتمر دستوري ووقف انتهاكات ضد الحق في الحياة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وتقديم الجناة وفقا لمحاكمة عادلة وفقا للمواثيق والقوانين الدولية .
كما اطلعت بوسائط اجتماعية على وثيقة قوى الحرية والتغيير لإدارة الحكم خلال الفترة الانتقالية وبقراءة سريعة لاحظت الآتي :
1 : رغم النص على وقف العمل بالدستور الانتقالي 2005 إلا أن البند التالي مباشرة نص على أن اعتبار وثيقة الحقوق الأساسية في دستور 2005 جزء لا يتجزأ من هذا الدستور . فكيف يمكن إحياء دستور قد أوقف . كما أن هذا الدستور وفي هذا الباب قد تم تعديله في العام 2017 وهل هذه الحقوق هي الموجودة أصلا في الدستور أم تلك المعدلة ؟
2 : خلا هذا المشروع من مصادر التشريع التي يجب إيرادها في المبادئ الموجهة والتي يجب أن يتقيد بها السلطة التشريعية والقضاة بتطبيقها بعد ذلك .
3 : لم ترد النيابة العامة كسلطة مستقلة ضمن مؤسسات الحكم الانتقالي كما لم ترد لجزء من السلطة القضائية كتفصيل لاحق بإذن الله .
4 : أعطى المشروع لمجلس السيادة تعيين أعضاء مجلس القضاء العالي مما يعد أمرا مستغربا ووردت المحكمة الدستورية على استحياء مستقلة ومنفصلة ولم تعالج الإشكاليات القائمة في أنها ورغم المحكمة الأعلى ومتعلقة بتطبيق الدستور وتفسيره ولم ينص المشروع على حق الفرد للجوء إليها كما أن المشروع خلا من وجود القضاء لأداء القسم إذا كان رئيس القضاء أم رئيس المحكمة الدستورية وخلا المشروع من بيان الاختصاصات . وإذا اخذ المشروع بنظام وحدة القضاء يكون رئيس القضاء هو رئيس كل المحاكم بما فيها الدستورية كالنظام الانجليزي وإلا يعود للنظام الفرنسي وفيه لا وجود لرئيس القضاء بل رؤساء للهيئات القضائية .
5 : لم يبين المشروع الولايات رغم أنه قرر في المادة الأولى السودان جمهورية ….. لا مركزية ودور المحاكم الولائية وفي حال عدم وجودها لم ينص على حق القضاء الاتحادي في نظر القوانين الولائية .
6 : لم ينص المشروع على مجلس للشيوخ في ظل الأنظمة الاتحادية ؟
7 : لم أجد إشارة للاتفاقيات التي وقعت مع الحركات المسلحة ومؤسساتها التي وردت كالدوحة وغيرها .
8 : لم يرد توضيح عن تبعية المفوضيات ؟
9 : الملاحظ أن المشروع منح مجلس الوزراء إعلان حالة الطوارئ وأين نظرية فصل السلطات ؟
نواصل بإذن الله
عوض الحسن النور
قاض سابق ووزير عدل أسبق وأستاذ جامعي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.