نبض للوطن
أحمد يوسف التاي
(كان حرَّتْ لي أبو النور وكان بَرَدتْ ليها صقور)…مثل شعبي يُضرب للجبناء والإنتهازيين الذين يختفون (يوم الحارة) ـ أي ـ يتوارون عن الأنظار في وقت الشِّدة وحين البأس وحينما يحمى الوطيس ، ويظهرون وتتعالى أصواتهم بعد أن ينجلي غبار المعركة ويزول خطر المواجهة، فيتمددون في كل المساحات الفارغة ويبدون كالصقور الجوارح ويتسيّدون المشهد تماماً، فيصفقون بأجنحة الخيلاء، ويجرحون بمناقير حادة كل من يقف في طريقهم ، وسيلتهم هي الصراخ والضجيج في (وكت الباردة)، لأنهم لايملكون إلا حناجر غليظة ، وخدود ناعمة..
قلة قليلة جدا هي التي واجهت النظام الدكتاتوري المخلوع أيام جبروته وغلظته واستبداده ، هؤلاء هم “أبو النور” الذي ثبت وقت الشدة والجبروت والعسف ودفع ثمن الثبات والمواجهة قتلاً وسجناً واعتقالاً وملاحقات جنائية وتشريداً.
وأما “صقور” ما بعد المعركة هذه لاتظهر إلا بعد زوال الخطر فتمشي على الجثث وتتسلق عليها وتسيطر على المشهد بالصوت العالي والصورة المخادعة..
وإذا أسقطنا المثل نفسه:(كان حرّتْ لي أبو النور ، وكان بردت ليها صقور) على المشهد الحالي في السودان…سنجد أن “أبو النور” هو الشباب من الجنسين الذين ضربوا أروع الأمثال في التضحية منذ هبة سبتمر 2013، و19 ديسمبر المجيدتين، وسنجد أبو “النور” هو أحزاب سياسية رفضت المشاركة في نظام القمع والاستبداد حتى لاتعطية أية شرعية، وسُجن رموزها الحقيقيون ونُكل بهم، وسنجد أبو “النور” هو القوى التي حملت السلاح ضد الظلم والطغيان والجبروت السلطوي، وسنجد “أبو النور” هو رموز سياسية قادت معارضة شرسة فشُردت من أوطانها وحُرمت من الأهل والعشيرة وعاشت حياة الملاجي..
وسنجد “أبو النور” هو الصحف الحرة، والأقلام الأمينة الجريئة التي قادت معركة المواجهة الإعلامية مع النظام الدكتاتوري المستبد، ماتراجعت وما بدلت يوماً وما استكانت، فكشفت فساده بالوثائق والمستندات ونزعت عن وجهه الكالح القناع الذي يتجمل به ، وأسهمت في خلق راي عام ضده وهيأت الشارع السوداني لهذه الثورة بالتحريض ضد النظام الفاسد ، وفي يقيني الراسخ أن تأثير الأقلام الحرة الجسورة لم يبلغه أحد، وقد دفعت الثمن بالسجون والاعتقالات والإستدعاءات والملاحقات الجنائية المفبركة والتضييق والإيقاف والمنع من الكتابة والمصادرات..
أما “صقور” ما بعد المعركة آراها الآن تتداعى إلى الساحات وتملأ كل الأرجاء مستفيدة من وضعين إثنين، الأول: كثرة القوى السياسية التي شاركت النظام المخلوع “طبخاته النيئة” وأهدته شرعية مزيفة، عن فساده وتماهت معه وأصبحت كأنها جزء أصيل منه وهذا ما يمنعها من التمدد الآن ، والوضع الثاني الذي استفادت منه “صقور” ما بعد المعركة هو ذُهد “أبو النور” الذي ابلى بلاءً حسنا وقت المغرم وانزوى وانخفض صوته وقت المغنم…لكن على “صقور” ما بعد المعركة أن تتذكر دائما أن الثوار الذين اهتز لهتافاتهم عرش الطاغية المخلوع ، والأقلام الحرة التي كشفت فساد نظامه لهي قادرة على دك حصون الظلم الاستبداد أين ما وُجد ومتى وكيفما وُجد…اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.