من أجل الشهداء الأبرار؛ الذين مهروا بدمائهم الغالية هذه الثورة “الفتيَّة، الأبيَّة، البهيَّة”؛ من أجلهم ستستمرُّ الثورة بذات زخمها الوهاج.. فلقد سقوا شجرة هذه الثورة بدمائهم الطاهرة، وحملوا أرواحهم وأكفانهم على أيديهم، يعلمون ما كان ينتظرهم من رصاص (كتائب الظل) الغادرة؛ التي هدَّدهم بها السفاح الدَّموي علي عثمان محمد طه، فحصدت أرواحهم بلا رحمة.
واجهوا الموت من أجل (حرية الوطن) بصدور عارية، لا سلاح لهم سوى السلمية؛ التي زعزعت وأرهبت جلّاديهم؛ حتى سقط رأس النظام الطاغية البشير.
لكن مازال النظام الغاشم الذي حكم البلاد بالحديد والنار – طوال 30 سنة كالحة من أسوأ سنوات الأمة السودانية في التاريخ القريب – مُسيطراً ومُمسكاً بتلابيب الدولة من رأسها حتى أخمص قدميها. لذلك نقول إن الثورة حقَّقت هدفها الأول فقط، وهو اقتلاع رأس النظام، أمَّا اجتثاث النظام بالكامل، فيحتاج إلى نفَسٍ طويلٍ وخطواتٍ عدَّة، ورحلة طويلة من الصَّبر والصُّمود لتفكيكه.
تتعالى هذه الأيام العديد من الأصوات التي تُحاول أن تمتطي ظهر الثورة بلا خجل؛ أو حتى اغتسالٍ من مواقفهم المُخزية إبَّان اندلاع شرارة الثورة؛ حين كانوا يقولون إنها (مهاظرات) وليست (مظاهرات)، وإنها ثورة أولاد ميكي؛ الذين يتوجَّب عليهم أوَّلاً تغيير ملبسهم ومظهرهم قبل أن يُفكِّروا في اقتلاع النظام. وعندما أُسقِطَ في أيديهم (وقلبوها الشفاتة)، ها هم الآن يَصفون الثورة بالمجيدة، ومُعلِّمة ثورات الربيع العربي… إلخ! وقاحتُهم لم تقف عند هذا الحد، فها هم يَخرجون علينا، ويُحاولون تثبيط الهمم؛ بإظهار مطالب الثورة الواضحة من البداية – “المُنادية باقتلاع النظام الغاشم من جذوره؛ وتفكيك أوصاله؛ والانتقال إلى نظام ديمقراطي مدني؛ بدلاً عن نظام شمولي عقائدي عسكري منهاجه الديكتاتورية وحراستها بالرّصاص والدِّماء وإشعال الحرائق والفتن” – بأنها عالية السقف، والمُناداة بمُداهنة العسكر وتمجيدهم، حتى نصنع فرعوناً جديداً، في خطوة مكشوفة لدعم الثورة المُضادَّة، ومحاولة سرقة الثورة المجيدة التي قدمت مئات الشهداء ومازالت صامدة.
فها هم (جوكية الثورة)، يُغيِّرون جلدوهم كالأفاعي، ويحقنون سمومهم في الصُّحف والفضائيات، مُطالبين بصورة خبيثة بعدم تحقيق مطالب الثُّوار المُضمَّنة في ميثاق الحرية والتغيير، حتى تكتفي الثورة بتغيير (السائق = البشير)، والإبقاء على ذات عربة (النظام القديم)، التي أوردَتْ البلاد موارد الهلاك.
لأولئك الذين قبضوا ومازالوا يقبضون ثمن مواقفهم الوضيعة، من أجل (الأموال والمنازل والمحاور الزراعية والسيارات الفارهة ودعومات القنوات الفضائية)، نقول لهم: لن تنطلي هذه المسرحية العبثية على أحد، هذه ثورةُ وعيٍ في المقام الأول، ثورة مُتسلِّحة بالعزيمة والصمود والسِّلمية، ثورةٌ راكزةٌ في الأرض ركوز الجبال الشواهق، ثورةٌ مُحرِّكها جيلٌ كسَرَ حاجز الخوف، جيلٌ يستمد بطولاته وثباته في الميادين من الأنثى (أم، أخت، زوجة، صديقة وزميلة)، كنداكات قدَّمن دروساً في الفدائيَّة والثبات والتَّضحيات؛ فكانت خير داعمٍ ومُحفِّزٍ لثبات الشباب في كُلِّ بقاع سوداننا المجيد، سيَكتُبُ عنها التاريخ طويلاً، وستصير نبراساً يُهتدى به ويُنير ظلام الديكتاتوريات الحالك.. جيلٌ يهتف الآن (سقطت ما سقطت صابِّنها). جيلٌ مُتصالحٌ مُتسامحٌ مُنصهرٌ مع بعضه البعض؛ يجمع المُسلم والمسيحي، الصوفي والقبطي، الشُّيوعي يُصلِّي فيه خلف السلفي الذي كان يُكفِّره، المُنقَّبة تحمي فيه الحاسرة، الأعمى يحمل الكسيح، جيلٌ ضمد جراحات العنصرية والقَبليَّة المقيتة – التي زرعها المخلوع طوال 3 عقود – بهتاف (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)؛ فخرجت دارفور تهتف (عطبرة الحديد والنار حنكمل المشوار).
*لا تراجع، لا استسلام.. قدااااااااام.*
atafmoh@gmail.com
مُرسل من هاتف
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.