كتاب المقالات الموالين..هل البوصلة الأن فى اتجاه الجيش
سؤال الكاتب والسلطة
حاتم الياس
أنه لأمر طريف حقاً ذلك الذي يكتشفه هذه اليام المتابع والقارئ فى أمر تحولات أقلام الكتاب الموالين للأنقاذ وفى كيف أمسوا أصبحوا بين عشية وضحاها من نظام قديم لطالما دافعت الأقلام عنه باستبسال وكأن أمر استمراره هو شأن من ثوابت التاريخ والطبيعة الكونية التى لاتقهر ثم الحول الى نظام حاكم جديد أخر , هذه الرحلة الشيقة هى الجالبة لأسباب الطرافة والمتعة هنا حين يجد قارئ الصحف السودانية نفسه فى كامل الدهشة منذ أن يتناولها صباحاً من أقرب مكتبة لمحل سكناه وعمله ويطلع على الشأن الوطني العام بمزيج من الحيرة اللطيفة سيلحظ خاصية التلون المدهشة لكتاب المقالات من الصحفيين وغيرهم وهم يعبرون الفواصل بين الحقب والعهود يقطعها الكاتب والمثقف والصحفي بحذاقة عنكبوت مثابر يرسم كامل مسيرته فى الكتابة والرأي بخط أنتماء سلطوي مرن . ولعل السبب كامن فى البنية النفسية العميقة لهؤلاء الأفاضل بحيث يعيق القُدرة على حمل ثقل الكتابة ودفعها خارج افق السلطة وظلها فهو هنالك قد أعتاد على أن السلطة هي الجهة الوحيدة التى تعزز من قيمته وهويته ككاتب صحفي ومثقف لذا سيكون أمراً فى غاية الصعوبة ً لم تربت أدواته المهنية والتعبيرية فى كنفها فهو لم يجرب جسارة أن يكون صوتاً مختلفأ يعبر عن قضايا فى الكتابة والرأي لها عواقب خطرة قد تغضب (اللوفيثان) *فتصبح الكتابة مجرد حيلة ذاتية للعيش والمكوث المطمئن تحت دائرة الشهرة. هذه الفترة القصيرة جداً بين ثلاثة رؤساء سيرى القارئ نفسه وكأنه فى لحظة تأمل خاطف وهو مستلقى فى منزله ويشاهد تلك الكائنات الدقيقة التى تتجمع حول مصدر الضؤ ثم سرعان ماتغادر الى مصدر أخر حين يطفأ هذا الضؤ سراعاً تتجمع فى مصدر ضؤ أخر لتواصل مهمتها الأبدية التى أختصها بها الخالق وأودعها فى قانون الطبيعة الكونية.
لكن عموماً هذه الجدلية بين الكاتب والسلطة ليست أمراً جديداً فلطالما ناقش الفكر السياسي والأجتماعي هذه الظاهرة منذ أن أبتلع فى اثينا الفيلسوف سقراط جرعة السم ثمناً لأختلافه وقد كان سؤال الكاتب والسلطة أحد موضوعات الفكر الأنساني الكبرى على مر التاريخ كيفما كانت هويته , كاتب , صحفي , أديب , شاعر , وكان محور السؤال دائماً كان هنالك مثقف وكاتب جاهز باستمرار ليلبي طلب أى نظام حكم وسلطة ويكون صوتها ,يجمل أسوأ ممارساتها فى مقام الرأي والمنافحة ويرفعها اٍن أرادت لمقام السلطة المقدسة محصناً سلوكها وممارساتها من الخطأ والمساءلة فهو وحده من يبرر لها حتى لو منعت الأخرين وكل االشعب من حق الكلام , قلنا أن الفكر الأنساني كانت هذه الظاهرة موضوعه المفضل حتى قبل ظهور كتاب (الأمير) للوزير فى البلاط الأيطالي ميكافلي فى العصر الأوروبي الوسيط 1513 م وكان ميكافيلى قد أنجز كتاب ذاك حتى يهديه للأمير الأيطالي لورينزوا الثاني ليبين له الطرق السياسية التى تمكنه من السيطرة في الحكم وكيف يدير أمارته ومن كتاب الأمير شاعت العبارة الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة) كأداة فى فن السياسة وأستمرت حتى عصرنا هذا كنوع من طرق اللممارسة السياسية التي يتبعها الحكام والأحزاب وغيرهم من الجماعات السياسية تمكنهم فى الوصول لغاياتهم فى الحكم مهما كانت طبيعة الوسيلة ومحتواها الأخلاقي فلا أعتبار الى للغاية طالما النتيجة هي السيطرة والحكم .
حالة هؤلاء الكتاب ليست جديدةً على التاريخ السياسي فى السودان منذ تاسيس أول صحيفة سودانية فى العشرينات ففى جريدة حضارة السودان فى العشرينات ستقرأ خبراً لمؤسس الجريدة يشيد فيه بنبل وشجاعة المفتش الأنجليزي فى أمدرمان الذى أنقذ مواطناً سودانيا من الموت بعد ان اسعفه فى حادثة وقعت ليلة المولد بعد أن دهسته عربة يجرها حصان وصفالكاتب فى الخبر أعجاب السودانيين بنبل هذا (الخواجة )وهو يهرع لأنقاذ مواطنهم وانت تقرأ ذلك المقال الذى أشاد كثيراً بتصرف المستعمر الأنساني فى شخص المفتش الأنجليزي سيزيح كاتبه ببراعة وبشكل مقصود عن المشهد أي صورة وقيمة للحشد من السودانيين الذين هرعوا نحو مواطنهم المصاب بل يظهرهم فى موقف سلبي كامل عاجز عن التصرف عدا حالة الهرج التى كانوا فيها وكأن مايليق بهم فى لحظة الحادث هو سلوك الرعاع لاْناس خارج دائرة التحضر ويبدو أن صحفي ذلك الزمان العشريني قصد من هذا الصورة عن وعي او غيره تبني الصورة النمطية عن شعوبنا التى زرعها المُستعمر حيث مثل السودانيين حالة هرج لدي الرعاع عند موضع الرجل المصاب وفقدانهم لحس التصرف فى اسعافه وبين موقف الرجل الأنجليزى المدرب حضارياً وأنسانياً على التصرف فى مثل هذه الأحوال , القصد من هذا المثال هو أنه طيلة التاريخ ومروراً بكامل حقبنا السياسية الكان هنالك كتبة وصحفيين لايعبرون الا عن صوت السلطة كيفما كانت هذه السلطة حتى أنه بطول المكوث فى أداء هذا الدور تتشكلت هويتهم النفسية بشكل كامل أصبح يدور مع فلك هذه الحكومات الذاهبة منها والقادمة والتى هى حتى فى اثر الغيب لذا لن يعدم أى مؤلف كوميدي اذق وذكي مادة ثرة وجاهزة للأيام الفائته والسريعة فى ايقاع تحولاتها بين عمر وابن عوف والبرهان وكيف نافست أقلام كتاب اقلام الصحف الواقعين تحت هذه الحالة السلطوية عروض فرقة (الأكروبات) السودانية
وسنقرأ كل يوم منهم بحكم منطق التاريخ تكرار الهجوم الكاسح على أعتصام القيادة العامة وكيف انه أمراً عبثياً بلاغايات وفاقداً لاي مبررات مطلبية وسياسية بعد ذهاب النظام السابق وأستجابة القوات المسلحة عمر والتغريظ والأشادة العظيمة بدور المجلس العسكري الأنتقالي وهو بالطبع الكفيل الجديد الضامن للكتاب السلطة وربما أستعدنا مع صحفي العشرينات موقف المفتش الأنجليزى النبيل ممثل السلطة الأستعمارية وقتها التى تمت الأشادة بموقفه وموقف حضارته وموقف عامة الشعب وقتها اهل الهرج والحشود الفوضوية الفاقدة للدباره بل واللقمة السائغة للأجندات الشريرة وبين السلطة العاقلة النبيلة والعظيمة ..كل ذلك يحدث بين موسيقى مارش ومارش
*اللوفيثان حيوان أسطوري قصد منه الدولة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.