باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
taawuniya 1135*120

عمر حلاق: مسار الثورة.. الشارع يقود

1٬246

لا يوجد قياس، ومن يُحدّثكم عن عِلمٍ للثورات فلكم حق الردّ: بأن لكل مقامٍ مقال، ولكل جغرافيا تقاطعاتها، ولكل واقعٍ قراءة تختلف عن مثيلاتها. لا يوجد من يحدد لكم المسار، الثابت الوحيد في ثورة ديسمبر أن الشارع استبق كل تفاصيل التراتبية المزعومة، وجعل خطوات التنظيم ليست من ضمن تمارين (الجيش)، بل الأكيد أن الشارع من جعل الجميع دون استثناء يلهث خلفه.
الثورة السودانية-ولا يساورني شكٌّ بأنّ ما يحدث الآن ثورة بكل ما تعنيه الكلمة- جعلت النظام القائم في الخرطوم متخبطاً تخبط الممسوس، فلا نكرانه أنتج رفض للحراك ولا تبديلاته جعلت من التثوير اليومي ركود. حقيقة الأمر: أن الشارع وحده مَلَك زمام المبادرة، وجعل النظام يُساوم ثم يتنكّر ثم يقبل ثم يساوم ثم (يُعسّكر) ثم يلجأ لطوارئ ليست ذات قيمة.
الشارع هو من جعل النادي السياسي القديم في شقة المعارض يفاوض بعضه، ثم يصيغ ما يجعل خطواته في اتساق مع المطالب ثم يتأخر ثم يتقدم، ثم يجلس الرافض مع المتنحي وقليل الحيلة وصاحب أطروحة الهبوط، ثم لا صعود سوى صعود الشارع رغم ترسانة القديم بكلياته؛ لفرض واقع جديد. أوليس الأمر ثورة؟
ثم النظام القائم لا يملك حَلّ، فالسلمية تُبِيد السلبية، والسلمية تُرضِخ الدبابة، والسلمية ليست سوى هتاف القادرين أمام عجز المُمسِكين بالزناد، هل هزم الزناد يوماً مسيرات الحق!!!؟
النظام القائم الآن مستقبله قاتم، بل معدوم، فكل أكاذيبه باتت على طاولة السخرية قبل التَشَفي. تخيلوا أن من احتشد لصد الهجوم الجيش المصري من الجبهة الإرتيرية قبل نصف عام؛ تفاجأ بمخابز للجيش المصري في قلب الخرطوم، حشد النظام كل ترسانته الإعلامية في شبه إعلان حربٍ من أجل الكرامة والعزة السودانية، وهزيمة تنسيق إرتيري مصري على الحدود الشرقية، لكن الذي حدث: أن النظام هو ذاته من افتتح الحدود لاحقا من طرف واحد مع أريتريا، وهو ذاته الذي جعل أمنه الغذائي ضِمن مهام الجيش المصري. يرفضه في الإعلام ويقبله في تواقيت الخيبة.
النظام لا يملك حلاً، فقضية دارفور واستمرار عنصريته بتسجيل إفادات طلاب من أجل توريط حركة (عبد الواحد محمد نور) انتهت بهتاف في أقصى شرق السودان ( يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور).
النظام لا يملك حلا، فمنذ الركابي وزير المالية الأسبق وحديثه عن تنازل الدولة من أجل (المستهبلين) لم يجز خزينة الدولة درهم ولا دينار، ثم فضيحة (حمدوك) واقتصاد الصدمة هي من قاد الوطن بكلياته لغرفة الإنعاش، ثم رشاقة لم تقتل سوى صاحب التغريدة (معتز موسى) ثم كفاءة ليست بكفاءة الأزمة بقدر كفايتها التستّر على اللصوص، ثم لا مناص من إعلان الإفلاس والفشل.
في ذات السياق الشارع من جعل (٢٠٢٠) والمنادين بها أثراً بعد عين، فلا هبوط يجدي مع صعود حركة مطالبة تبدأ ب (تسقط بس) ولا مناظرة تجدي حين النظر لتجاوز(المَخَجُوج) من مقترحات، قبل المَمجُوج من اقتراحات، فالشارع سيف.
الشارع من يحدّد مستقبل الحِراك، الثياب التي خاطتها نساء الوطن مُوسُومة ب (تسقط بس) يتوشحن بها حين كل فشل لصاحب مشروع لم ينجز وعد كذوب، وهل بعد الأمر تعريف بماهية الثورة!!!؟
نعم اعتورتها ملابسات، صاحبتها أخطاء، ولكن لكل الثورات هفوات وأخطاء تتعلم منها إن لم تئدها. الوصاية تلك التي صاحبت مشروع الإنقاذ ما زالت موجودة، عبارات التضخيم، الظنّ في تواقيت الفصل مثل التشدق بنهاية الأمر في السادس من إبريل، التَنمُّر على الضِعاف مثل الفنانين والدراميين، الرّفض دون سماع لكل منتمٍ للإسلاميين، كلها كبوات سينهض منها وفيها وبها مسار الشارع، فلا وصاية ولا تقنين لكيان.
ما يهمنا الآن، أن تواقيت الشارع مفتوحة، وأن خياراته ينتجها البذل، الدوائر الانتخابية سنحتاجها، ولكن قبلها سنحتاج تعريف الوعي بماهيتها، سنحتاج أحزابنا السياسية ولكن قبلها سنحتاج برامجها التي تقودنا لبرّ الأمان، فمن يحكم ليس الأعلى تضحية، من يحكم صاحب البرنامج الأجود لمفارقة السيئ إلى افضل.
هذا الوطن بامتداده يحكمه الثوار حاليا، على النظام التنحي قبل أن يُقتَلع بدمٍ بارد، ثم على المنتظرين من النادي السياسي القديم الهرولة للحاق به، وعلى كل منتمٍ له وضده العلم بأن (تسقط بس ) خيمة يمكن رميها على الجميع، بحيث تسطع الشمس دون ضباب، بحيث تتحقق أحلام الثوار دون المساس بدم الشهداء بحيث تعتلي المحاسبة سنام الحقوق دون مَنٍّ.
سيحاكم الشارع الجميع، من فَتَنته السلطة ومن عضدها ومن صعبت عليه مسغبتها، ثم هذا الوطن ملكٌ لمن هَتف بتشييده حين تخاذل الجيش، وحين فقد فريق كرة القدم حق التَرشّح للنهائي.
سينتظم الجميع حين تفشل النُّخبة.
سينتخب الجميع حين ينتشر الوعي.
أخيراً، تبقى اللحظات بين الرصاصة وصدري مليئة بحلم الحياة في وطن يسع الجميع.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: