باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

د. مزمل أبو القاسم: في طرف السوق

1٬645

* معلوم أن نظام الحكم اللامركزي قسَّم السلطة إلى ثلاثة مستوياتٍ، تبدأ بالاتحادي، عبر حكومة المركز، وتتنزَّل إلى الولائي، وتنتهي بمستوى الحكم المحلي، الذي نصَّ الدستور على حصر مهامه واختصاصاته في تقديم الخدمات للمواطنين من مستوىً أقرب.
* تناولنا من قبل العثرات والإخفاقات التي صاحبت أداء بعض المعتمدين في محلياتهم، وذكرنا أن الدولة لم تهتم بانتقاء أصحاب الكفاءة لإدارتها، ولم تشغل نفسها بتكوين المجالس المحلية، كي تتولى ضبط ومراقبة وتقويم أداء المعتمدين، وأنها – أي السلطة الحاكمة- ركزت على انتقاء (أهل الثقة)، لتولي المنصب، فأتت بشخصياتٍ تفتقر إلى الخبرة والكفاءة، بدليل أن وظيفة (معتمد) كانت الأولى لبعضهم في مجال الخدمة المدنية العمل العام ككل.
* أدى ذلك النهج القاصر إلى تقزيم دور الضباط الإداريين في إدارة شئون المحليات، فتراجعوا واكتفوا بالفرجة على (خرمجة) معتمدين، كان همهم محصوراً في خدمة تنظيمهم قبل مواطنيهم، مع الإثقال على الناس بالجبايات والرسوم، لجني المال بأي نهج، حتى بلغت رقماً فلكياً، صَعُب على وزارة المالية حصره، عندما شرعت في تطبيق نظام الدفع الإلكتروني، على أيام وزيرها الأسبق بدر الدين محمود.
* حل الحكومات الولائية أعاد الضباط الإداريين إلى الواجهة مؤخراً، لكن الجهة المشرفة عليهم، ونعني بها ديوان الحكم الاتحادي، بدا أنها لا تقدِّرهم حق قدرهم، وتتعامل معهم بتعالٍ غريب، بدليل أنها (ممثلةً في وكيلها صديق جمعة الخير) أصدرت قبل أيّام تعميماً مثيراً للرثاء، بحق ضباط إداريين تقدموا باسترحاماتٍ، يطلبون فيها نقلهم أو إبقائهم في ولاياتهم، بسبب ظروفٍ تخصهم، منها الصحي والاجتماعي والمادي.
* استفزت تلك الطلبات وكيل الوزارة في ما يبدو، فأرسل موجهاً بإجراء كشفٍ طبيٍ على طالبي النقل، لضمان توافرهم على (اللياقة البدنية) اللازمة لتنفيذ الواجبات، مع تحويل من لا يجتازون الفحص إلى القمسيون الطبي للنظر في أمرهم، ونحمد له أنه لم يكتب (لطردهم)، مع أنهم فهموا ذلك ضمنياً، ما لم يجتازوا (كوبر تست) الوكيل، الذي يتوهم أنه يتعامل مع لاعبين لكرة القدم!
* اشتمل التعميم على توجيهٍ آخر، قضى (بحصر) الضباط الإداريين غير الراغبين في نقلهم من مواقعهم الحالية لظروفٍ اجتماعية، بغرض تحويلهم إلى وظائف أخرى، (خارج الجهاز القومي للضباط الإداريين)!
* التعميم العنجهي يمثل سقطةً إداريةً، لمؤسسةٍ مرموقةٍ، يفترض أنها منوطة بحل مشاكل المواطنين، ووضح من التعميم أنها عاجزة عن حل مشاكل منسوبيها، إذ لم نسمع من قبل بأن ضابطاً في الجيش أو الشرطة أو الأمن فقد وظيفته لمجرد أنه عانى من ظرفٍ اجتماعيٍ أو صحيٍ اضطره إلى تقديم طلبٍ للنقل.
* موظف دولة، أمضى سنواتٍ طويلةً من عمره في خدمة الناس، يجد نفسه مهدداً بفقدان وظيفته، أو التحول إلى وظيفة أخرى لا علاقة لها بعمله الأصلي، لمجرد أنه عانى ظرفاً خاصاً استدعى منه تقديم طلبٍ للنقل؟
* استخدام أسلوب (لو ما عايز تتنقل تمشي بيتك أو تشوف ليك حتة تانية تلمك) غير مستساغ في التعامل مع مظاليم مخلصين، نالوا وظائفهم بكفاءاتهم ومؤهلاتهم، وبتنافسٍ شريفٍ خاضوه مع آلاف المتقدمين لتلك الوظائف، وفقاً لقوانين الدولة، وليس عن طريق التمكين والمحسوبية والانتماء السياسي الذي يقدم معيار الثقة على الكفاءة.
* يعلم السيد وكيل الوزارة أن من هددهم بالتجريد من الرتبة، والطرد من الخدمة، لمنعهم من تقديم طلبات النقل لا يمتلكون صندوقاً للزمالة، ولا صندوقاً للعلاج، ولا مخصصاتٍ كافيةً، تُمكَّنهم من إعالة أنفسهم وأسرهم، ويدرك أن مرتباتهم الهزيلة لا تستر حالاً، ولا توفر لهم الحد الأدنى من مطلوبات الحياة الكريمة، في زمن الغلاء الفاحش.
* يبدو أن السيد الوكيل لا يدري أن هذه الوظيفة ما عادت ذات (شنَّة ورنَّة) مثلما كانت في ما مضى، عندما كان الضابط الإداري يشرف على تصريف شئون مديريةٍ أو محافظةٍ بحالها منفرداً، وكانت مخصصاته توفر له حياةً رغدةً، ومكانةً اجتماعيةً مرموقةً، تجعله محسوباً في عِلية القوم، قبل أن يزريهم الدهر، ويفرض عليهم العمل تحت إمرة بعض فاقدي الكفاءة، في عهد التمكين، الذي دمَّر الخدمة المدنية وأورث السودان الخراب.
* نقول للوكيل لا تهددهم بالنقل ولا الفصل استغلالاً لظروفهم الاجتماعية والصحية والمادية، فضباطك الإداريون يمكن أن يحصلوا على أضعاف دخلهم الحالي، لو هجروا وظائفهم البائسة، ومخصصاتهم الهزيلة، (وفرشوا بصل في طرف السوق)!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

error: