عندما كان الأديب الطيب صالح يتساءل: (مِن أين أتى هؤلاء) لم يدر في خلد الاخوان أن يأتي زمان يتساءلون هُم فيه : من أين أتى تجمع المهنيين، وكيف (يتبدَّى ويزوغ) هكذا في شوارعهم، كما تفعل الشياطين في أساطير العمر الشقي!.
لم يدر بخلدهم أن سيأتي عليهم زمان يتواضعون فيه أمام قدرات هذا الكائن العجيب،– تجمع المهنيين – فيضطرهم للعمل معه بـ (ردة الفعل)، بعد أن كان جهابزة الاخوان هم الفاعل التارِك فوق ميدان من السونكي، طيلة 30 عاماً أو تزيد.
بدأت دورة التمكين بعد قراءة (غَتيتَة) للكيفية التي سقطت بها مايو، وللكيفية التي أطاحت بحكم الفريق ابراهيم عبود.. ثم شاء القدر ان يستنسخ لهم ما جرى على لسان العبد الصالح، حتى أقبل بعضهم على بعض يتساءلون: من هؤلاء، ومن أين جاءوا؟!
تجمع المهنيين، هذا المطر المتساقِط في زمن القحط، أطلَّ ليقرأ كتابهم أيضاً وبعناية فائقة، ثم أتي عليهم بظلال من القرآن لا يعرفونها….. وهل غادرَ الكتاب من شيئ ؟
كلا وألف كلا.
كانوا ومذ جاءوا، (يُبربِحونَ) غصن النقابات النضير، باعتباره الخطر الذي يهدد بقاءهم.
وبخطة (ترابية) جهنمية شلّعوا الكيانات المنتخبة، وأقاموا على تصدعاتها نقابة المنشأة، وجرى ما جرى للقيادات، وبتلك الطريقة، نعم بتلك الطريقة.. ومن هنا أيضاً سُقيت الإنقاذ بكأسٍ لا رادَ لقضائها، عندما ظهر هذا التجمع، الذي يطفُر من قبضتهم كماءٍ بين الأصابع، أو كسماءٍ تستعصم بالبعد!.
ويا سبحان الله، كلما توهموا اللحاق به، عادوا وأكدوا أنهم لا يرون في الشوارع غير (المندسين)!
تجمع المهنيين هو (السُّم القدُر عشاهُم).. تجمع المهنيين تجربة سودانية فريدة، استوعبت انكسارات جبهة الهيئات في اكتوبر والتجمع النقابي في مارس أبريل.
فالى جانب أن النظام لا يستطيع اللحاق بهم، فان النظام وفي كل حين، يبدي إعجابه برشاقتهم، كيف لا وهو ينشط بموجب (توجيهاتهم)!.
مثلا…..
ما أعلن التجمع عن حضوره في المحطة الوسطى، أو في شارع المعونة، أو في بُرِّي، إلا ورأيت النظام يسوق دساكره الى هناك… ومع ذلك هم (مُندسون) حسب الرواية الرسمية، رغم أنهم يحددون ساعة الصفر عند مقيل الشيطان، كأنهم موجة أخرى لتجربة الاختفاء تحت الارض.
ما يميز تجربة تجمع المهنيين أُسلوب خطابهم الذي يحتوي على القواسم المشتركة بين اطراف النسيج الوطني،، ويلاحظ أنهم برعوا بشكل لافت في استخدام عنصر اللغة الدينية في خطابهم، بطريقة تجعلهم يستهدفون النبع كي يوضع في سياقه الطليعي من حركة التطور.. وللحقيقة، فإن سد هذه الثغرة – الحضور في ساحة الروح – تُعد أقوى لطمة يتلقاها من اعتادوا على اختطاف إسم الإله في هذه البلاد..
ما يميز هذه التجربة أن عنصر الشباب هو الغالب فيها… شباب اكتسب مناعة ضد أحابيل الاخوان، فلم يعد بالإمكان جرجرته إلى مواضيع مُفبركة أو نقاشات مربِكة.
ما يميز تجمع المهنيين السودانيين انه تجاوز محطات الطائفية والعنصرية والجهوية، بما يؤهله للعبور إلى شاطئ القومية وتحقيق الحلم الذي ضحى من أجله آلاف الشهداء… (ونُناديك.. نأتيك بالأوجه المطمئنة والأوجه الخائفة. بتمائم أجدادنا، بتعاويذهم حينَ يرتطمُ الدم بالدم. بالصلوات المجوسية الخاطفة. بطقوس المدارات. بالمطر المتساقط في زمن القحط. بالغاب والنهر والعاصفة)..!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.