* (الوطني يشدد على عدم تخوين الشباب المحتجين)، تصريح لافت صدر بالأمس عن أحد قادة الحزب الحاكم، وهو يمثل تطوراً مهماً في توصيف المحتجين، بعد أن نُعتوا قبلاً بالخونة والعملاء والمندسين وأصحاب الأجندة المشبوهة، وما إلى ذلك من أوصافٍ لا تماثل الواقع، ولا تعبر عن الحقيقة، بقدر ما تشكل عين المكابرة.
* الحقيقة أن موقف الحكومة من المحتجين شهد تغيرات إيجابية في الأيام الأخيرة، ما بين الاعتراف بحقهم في التظاهر السلمي، والدعوة إلى بحث مسببات احتجاجهم، ومعالجة مشاكلهم، والاجتهاد لتوظيفهم، وإعادة فتح منافذ لهوهم، وصولاً إلى انتقاد القوانين التي تحد من حرياتهم، والدعوة إلى التحاور معهم، واحترام مطالبهم.
* حتى الموقف القانوني من الانتهاكات المصاحبة للاحتجاجات تبدَّل إلى الأفضل، نتاجاً لاستمرارها، وتمسك المحتجين بمواقفهم الرافضة للواقع الحالي.
* تابعنا مؤخراً دخول النيابة العامة على الخط، بمرافقة بعض وكلائها للقوات الأمنية المكلفة بالتعامل مع التظاهرات، والتوجيه بالحد من حركة السيارات الخالية من اللوحات، وصولاً إلى إعلان خلاصة التحقيق في قضية الشهيد أحمد الخير بخشم القربة، بإفادة رسمية، تم بثها في وسائل الإعلام الحكومية، حتى ولو لم تلامس سقف المطالب الرامية إلى ترسيخ مبدأ سيادة حكم القانون، وصيانة الحريات العامة، وضبط ومحاكمة كل من تعدوا على المتظاهرين وقتلوا بعضهم، إما تعذيباً أو رمياً بالرصاص.
* حتى (المندسين)، الذين نسبت لهم السلطات مسؤولية قتل المتظاهرين، تقع مسؤولية ضبطهم ومحاكمتهم على الحكومة، ذلك إن صح فعلاً أن هناك مندسين تورطوا في رمي المتظاهرين بالرصاص.
* إعلان النيابة الخاص بقضية الشهيد أحمد الخير (رحمة الله عليه) ينبغي أن يمثل بداية السير في طريق إحقاق الحق حتى نهايته، بمحاسبة المتورطين في التجاوزات المصاحبة للتظاهرات.
* رمت الدولة الكرة في ملعب النيابة العامة، عبر لجنة تحقيق يقودها وزير العدل، وعلى الرغم من التحفظات المتعلقة بإسناد أمر التحقيق إلى جهةٍ غير مستقلة عن الحكومة، إلا أن الخطوة نفسها تضاعف مسؤولية النيابة، وتضعها أمام تحدٍ صعب، لأن فشلها في ضبط المتجاوزين وإخضاعهم للمحاكمة سيحسب سلباً عليها، لتتحمل وزر التستر على جرائم مؤثرة، وتجاوزات مريعة، دفع ثمنها شباب في عمر الزهور، فقدوا حياتهم، ودفعوا دماءهم الزكية ثمناً لمواقفهم.
* ثبت للنيابة أن شهيد خشم القربة توفي نتاجاً للتعذيب، والطبيعي أن يتم توقيف كل من أشرفوا على اعتقاله، وأثبت الشهود مشاركتهم في ضربه وتعذيبه حتى الموت.
* هنا تبرز مسؤولية أخرى أمام جهاز الأمن والمخابرات الوطني، المطالبة برفع الحصانة عن المتهمين، وتسليمهم للنيابة بغرض التحقيق معهم، وإخضاعهم لمحاكمةٍ عادلةٍ، تتوافر لهم فيها كل الفرص التي حرموا منها ضحيتهم.
* لن يكون مقبولاً من الجهاز أن يحيل منسوبيه المتهمين بالتورط في الجريمة المنكرة إلى محكمة عسكرية، لأن الرأي العام لن يتقبل نتائجها وقد لا يعترف بها.
* الصحيح أن يقتفي الجهاز أثر الشرطة، التي عودتنا على إحالة المتجاوزين من أفرادها إلى القضاء المدني، كي يدفعوا ثمن تجاوزاتهم من حسابهم الشخصي، لا من الحساب العام للمؤسسة التي ينتمون إليها، سيما وأن القانون العسكري يسمح بمحاكمة النظاميين في المحاكم العادية حال وجود طرف مدني في أي قضية.
* تكرار سيناريو أحداث سبتمبر 2013 بإسناد جرائم قتل وتعذيب المحتجين إلى مجهولين يمتطون سيارات خالية من اللوحات، لن يكون مقبولاً هذه المرة.
* إعفاء المتجاوزين من المحاسبة يشكل خطراً داهماً على بنيان الدولة قبل السلطة، لأنه يزدري القانون، ويشيع الغبن، ويشيع سياسة أخذ الحقوق باليد، ليحيل البلد إلى غابة، يأكل فيها القوي الضعيف.
* قال المولى عزّ وجلّ في محكم تنزيله: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)، وقال رسول الرحمة المعصوم، صلوات الله وسلامه عليه: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).
* عظموا حرمة الدماء كي لا تشيعوا ثقافة سفك الدماء، (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
د. مزمل أبو القاسم
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.