مازال الوالي أحمد هارون، وغيره من المسؤولين، يصورون الاحتجاجات بغير حقيقتها، ويلصقون بالداعين إليها والمشاركين فيها تُهماً جُزافية لا تمت للواقع بصلة.
يقول هارون الذي يُعبر عن قطاع لا يستهان به داخل حزبه – في إشارة للاحتجاجات الماثلة – إنه لا توجد قوة في الأرض بالسودان تستطيع خلع الدين لتستبدله بالعلمانية خاصةً أن الجماهير المحتشدة من خلاوي وطرق صوفية لها عزيمة غير التي تحدث من البعض، ودعا المندسين للابتعاد عن حشد الشباب خلف الواجهات واللافتات، “فأهل الخرطوم وأم درمان لا يقررون وحدهم تغيير مصير السودان” على حد تعبيره.
تصوير المحتجين أنهم ضد الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية بُهتانٌ كبير، صحيح أن لكثير منهم، رأيٌ في راية الشريعة التي ترفعها الحكومة السودانية، أو المؤتمر الوطني، ومستوى تطبيق جوهرها على أرض الواقع، لكن لا أحد ينادي بذلك، وليس بإمكانه أن يفعل.
من يُطالب بإلغاء قانون النظام العام، لا يُطالب بفتح الحانات والبارات، ومن يدعو إلى توفير قدر أكبر من الحريات، لا يرغب أو يسعى للانحلال، ومن يشدد بأن لا تكون معاينات القبول لبعض وظائف الدولة معتمدة على حفظ آيات من القرآن، لا يدل على أنه يُبعد الكتاب والسنة من is الحياة العامة.
تحوير المفاهيم وتصوير اليسار بالانحلال استناداً على أفكار موروثة في كُتبٍ قديمة بات سلعة بائدة لا تجد رواجاً.
لسنا يساريين أو لنا ميول شيوعية، لكننا اقتربنا منهم ومن غيرهم، كما يفعل عموم الشعب، الذي اختلط بأهل اليمين واليسار وما بينهما، وبات متيقناً أن الشعارات والسياسات العامة التي ترفعها الأحزاب، بدءاً من المؤتمر الوطني، وانتهاءً بـ”الأسود الحرة”، ممتازة وجاذبة وتُرسخ لمفهوم العدالة والمواطنة، وأن ما يسيئهم جميعاً سلوك بعضهم، وليس سياساتهم المعلنة.
عليه، لم تعد سلعة اليسار والعلمانية تجدي نفعاً، فها هي الدول العربية والإسلامية من حولنا، تحكم بالإسلام “القرآن والسنة” دون مزايدات وهتافات.
ما يقوله هارون وغيره من المسؤولين، لم يقتنع به أهل الفقه والدين أنفسهم، فها هم الأئمة والدعاة، يبررون الخروج ويدافعون عن الشباب الذين يتهمون أنهم خرجوا لإغلاق محلات الشيشة وشارع النيل ويتحدثون عن مشروعية احتجاجاتهم ومطالبهم.
إن غَيَّرَ مسؤولو الحكومة هاجس اليسار المسيطر عليهم، لعرفوا أس المشكلة، بل لعرفوا العلاج.
التعليقات مغلقة.