* نتفهم مسببات القرار الذي أصدرته النيابة العامة أمس، وقضى بحظر التصريحات في قضية وفاة المعلم أحمد الخير عوض الكريم (رحمة الله عليه)، لخطورة وحساسية القضية التي شغلت الرأي العام، وجذبت انتباه السودانيين في كل مكان، وأجبرت وسائل الإعلام العالمية على متابعة تداعياتها لحظةٍ بلحظة.
* استهدف الحظر منع التأثير على العدالة، ومساعدة لجنة تقصي الحقائق التي يقودها وزير العدل على بلوغ غاياتها، وتحديد مسببات الوفاة بدقة.
* الاجتماع الذي انعقد مع لجنة العدل والتشريع بالبرلمان خلص إلى عدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في سير التحقيقات، وقد استوقفتني تلك الجزئية، لأن التدخل حاصل فعلياً، على أعلى المستويات.
* لجنة تقصي الحقائق التي تم تكوينها في الأول من يناير الحالي يرأسها وزير العدل.
* (العدل) وزارة سيادية، تنتمي إلى الجهاز التنفيذي، ويقودها وزير، عرفته المادة (133) من الدستور على أنه يمثل “المستشار القانوني للدولة، ويعمل لضمان سيادة حكم القانون ويؤدي أي مهام ذات طبيعة قانونية (غير جنائية) وفقاً للقانون”.
* الأحداث التي وقعت في البلاد مؤخراً، ونتج عنها مقتل عدد من المواطنين، وإتلاف ممتلكات خاصة وعامة جنائية الطابع، فكيف سيتولى وزير العدل أمرها، وهو المكلف دستورياً بمهام قانونية (غير جنائية)؟
* كيف يمكن للنيابة العامة أن تدعي أنها مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية، طالما أن اللجنة التي تتولى التحقيق في القضايا المتعلقة بالاحتجاجات يقودها وزير ينتمي إلى السلطة التنفيذية، وطالما أن النائب العام نفسه يُعيِّنه رئيس الجمهورية؟
* الأحداث التي تستهدف لجنة التحقيق استجلاء ملابساتها، وضبط المتورطين فيها، بدأت يوم 19 نوفمبر الماضي، واستمرت على مدى 45 يوماً، فقتل فيها من قتل، وأصيب فيها من أصيب، ومع ذلك لم يتم ضبط أي متهم في جرائم القتل تحديداً حتى اللحظة.
* بل إننا رصدنا تلكؤاً في التحقيق المتعلق بقضية مقتل أحد المواطنين داخل منزله ببري، حيث لم تبدأ النيابة تحقيقاتها إلا بعد ستة أيام من لحظة وقوع الحادثة، واقتصر عملها على استجواب الشهود، ورسم موقع الحادثة، وأخذ عينات من دم المجني عليه، بزيارة وحيدة لداره.
* أما الشرطة فلم تبدأ تحقيقاتها في القضية بعد، مع أن ذوي المجني عليه دونوا بلاغاً تحت المادة 130 (القتل العمد) في قسم شرطة البراري فور وقوع الحادثة، علماً أن الشرطة باشرت تحرياتها فعلياً في قضية أخرى، وقعت في اليوم نفسه، وتم فيها تدمير عربة تابعة للشرطة بالقرب من منزل العزاء.
* تم تدوين بلاغ جنائي حول واقعة تدمير السيارة، وضبطت الشرطة بعض المتهمين وأودعتهم الحراسة، أما القضية الأصلية المتعلقة بإزهاق روح مواطن بريء فلم تتخذ الشرطة حيالها شيئاً ذا بال حتى اللحظة.
* خلاصة الرسالة المتعلقة بإهمال التحقيق في جريمة القتل، والاهتمام بجريمة إتلاف السيارة يمكن أن تفسر بأن العربة أهم وأقيم من نفسٍ بريئةٍ أزهقت بغير حق.
* بحسب أمر التكليف الصادر من الرئيس للجنة التحقيق فإن قضية إتلاف سيارة الشرطة نفسها تتبع للجنة التي يقودها وزير العدل، لأنها وقعت خلال الاحتجاجات، وكان أولى بالنيابة العامة أن تطلب من الشرطة أن تكف يدها عن التحقيق فيها أيضاً، لأن تفاصيلها تندرج تحت مهام اللجنة التي يقودها وزير العدل.
* أمس صدر قرار آخر من جهاز الأمن، قضى بتكوين لجنة تحقيق برئاسة ضابط برتبة فريق في الجهاز، للتقصي حول ملابسات مقتل المعلم أحمد الخير، وجهاز الأمن نفسه ينتمي إلى السلطة التنفيذية، ويأتمر بأمرها، والغريب في الأمر أن إدارة الإعلام في الجهاز خاضت في كل تفاصيل القضية عبر بيان موسع، تحدثت فيه عن تعرض الفقيد إلى حالة تسمم، وأعلنت أن الكشف على الجثمان أكد سلامة كل أعضائه.
* إذا كانت تلك التفاصيل صحيحةً ودقيقة، فيم التحقيق إذن؟
* ختاماً.. ألا يحق لنا أن نستغرب تكوين ثلاث لجان للتحقيق في قضية واحدة، واحدة برئاسة وزير العدل، وثانية باشرت عملها في كسلا تحت إشراف وكيل نيابة كسلا، وثالثة برئاسة ضابط برتبة فريق في الجهاز؟
التعليقات مغلقة.