للعطر افتضاح
- (حوار مع الشباب)، ذلك يمثل التوجه الأبرز في ردهات الحزب الحاكم هذه الأيام، بعد أن تفجرت الأوضاع في شوارعٍ محتقنةٍ، امتلأت بمحتجين صغار السن، قلت عنهم ممازحاً صديقي د. عمر كابو، – أحد أعضاء أمانة الباب في المؤتمر الوطني- (الشُفَّع ديل جهجهوا باكاتكم)، فضحك وردًّ علي بعبارةٍ لا أستطيع نقلها في هذه المساحة.
- إهمال المؤتمر الوطني لذلك القطاع العريض بدا جلياً في إقدامه على (شطب) وزارة الشباب والرياضة، واستبدالها بمجلسٍ أعلى في حكومة معتز، وهي خطوة غريبة، تفتقر إلى الحكمة، ويعوزها المنطق، وينكرها واقع معاش، يؤكد أن القطاع الذي استكثروا تمثيله بوزارة وحيدة يمثل غالبية الشعب السوداني حالياً، وبالتحديد (60%) من مجموع السكان في آخر تعداد رسمي للدولة.
- حتى تعامل أمانة الشباب في الحزب الحاكم مع القطاع المذكور أتى مشوهاً، وعامراً بأخطاء كبيرة ومريعة، ظهرت جلياً في إصرار الأمانة، ومن خلفها دائرة الرياضة، على دس أنفها في ما لا يعنيها، بتدخل سافرٍ ومستهجنٍ في انتخابات معظم الاتحادات الرياضية خلال العامين الأخيرين.
- خالفت الأمانة التوجه الرسمي للدولة والحزب، والذي قضى بترك أمر الرياضة كله للرياضيين، بلا أدنى تدخل، إلا في حدود الإشراف العام والتمويل بما تستطيعه الدولة، إعلاءً لمبدأ (أهلية وديمقراطية الحركة الرياضية).
- بل إن أمانة الشباب عكست الخط الرسمي الذي تبنته الدولة، عندما أقدمت على تعديل قانون الرياضة في خواتيم العام 2016، لتحد من صلاحيات الوزير المعني بالنشاط، وتعيد أمر الرياضة كله إلى الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية.
- مع ذلك شاهدنا تدخلاً سافراً من الأمانة في معظم انتخابات الاتحادات الرياضية، وتسخيراً لأموال الحزب ونفوذه، للسيطرة على تلك الاتحادات، وفرض شخصيات تفتقر إلى الخبرة والكفاءة والخلفية الرياضية التي تناسب المناصب المستهدفة بالتغيير.
- حتى الشخصيات الرياضية الفاعلة في مجالي الشباب والرياضة، والتي أتت من صلب القطاع المذكور تعرضت إلى حربٍ شرسةٍ، استهدفت إزاحتها من مواقعها، برغم النجاحات الباهرة التي حققتها، والشعبية الطاغية التي اكتسبتها في القطاع الرياضي على وجه التحديد.
- عانى رئيس المريخ السابق جمال الوالي من مضايقات شديدة، دفعته إلى التخلي عن رئاسة نادٍ يتبع له الملايين، وتعرض الأخ الصديق أبو هريرة حسين إلى جحود ظاهر، انتهى بإبعاده عن رئاسة اتحاد الناشئين، بعد أن فجًّر ثورة منشآت ضخمة، شهدت تشييد عشرات الملاعب والإستادات في كل أنحاء العاصمة، وتنظيم بطولات متتالية للمراحل السنية في مجال كرة القدم، بنشاطٍ متصلٍ، شارك فيه عشرات الآلاف من الشباب والناشئين.
- الحديث نفسه ينطبق على الدكتور معتصم جعفر، الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم، والمنتمي إلى المؤتمر الوطني، الذي استبدله الحزب الحاكم بالدكتور كمال شداد، الذي يفوق عمره الثمانين.
- إهمال المؤتمر الوطني للشباب يتضح حتى في قمة هرمه، إذ أن أصغر عضو منتخب في المكتب القيادي للحزب يفوق عمره خمسة وأربعين عاماً، وذلك يدل على أنه حزبٌ كهل، لا يعنى إلا بالكهول، ويقتصر اهتمامه بالشباب على احتفالات مظهرية، وأنشطة هامشية، لم تستهوٍ الشباب يومياً، ولم تلفت إنظارهم، ولم تجذبهم للمشاركة فيها قط.
- الآن فقط التفتوا إلى الشباب، بعد أن خرجوا إلى الشوارع محتجين، وهاتفين بسقوط النظام، ليفرضوا على الحزب الحاكم أن يسعى إلى محاورتهم، ويجتهد لاسترضائهم، لكن اللافت للانتباه أن ما رشح عن ذلك المسعى يشير إلى خللٍ كبير في المنهج الذي يرغب الحزب في اتباعه لإدارة حوار لا يدري أحد كيف يتم، وبأي منهج سيدار.
- محاولة استمالة جزء من تجمع المهنيين للدخول في حوار مجتزأ معه لن يثمر خيراً، لأنه يشبه ذات النهج الذي اتبعه المؤتمر الوطني في استمالة الأحزاب المعارضة والحركات المسلحة، بسلخ بعض أجزائها عن مكوناتها الأصلية، وإغرائها بالمناصب، بغرض إضعاف الجسد الأصلي.
- منهج مختل، لم يبسط السلام في ربوع السودان، ولم يحقق الاستقرار السياسي المنشود، بقدر ما أهدر مقدرات الدولة في ما لا يفيد.
- لو أصر المؤتمر الوطني على تكرار ذات النهج في حواره المستهدف مع الشباب فلن يخرج منه بفائدة، ولن يفلح في إخماد غضبة الشباب على واقعٍ موجع، أحال معظمهم إلى عطالى، وقتل أحلامهم، ووأد تطلعاتهم في المستقبل، وأجبرهم على الخروج إلى الشوارع هاتفين بسقوط النظام.
- حاوروا أبناءكم الذين أقصيتموهم من ساحات الشباب والرياضة أولاً.. قبل أن تحاوروا الشباب الناقم.. وتجمع المهنيين!
د. مزمل أبو القاسم
التعليقات مغلقة.