* المواجهات لا تجري في الشوارع وحدها هذه الأيام، إذ تدور في الأسافير مناجزةٌ أخرى، لا تقل عن رصيفتها عنفاً وشِدَّة، وإن كان عنفها ناعم الملمس،لا يؤذي الأجساد، ولا يزهق الأرواح، لكنه يحرق الشخصيات، ويؤلب المشاعر، ويستهدف حشد الناس خلف فكرةٍ أو مبدأ.
- اخترت أن أرقب تلك المواجهة بعينِ من أمضى بضع سنينٍ من عمره يدرس ويحلِّل ويتذوَّق ثمار أشجار الفايبر، ويلتقط إشارات (الستلايت) المبثوثة عبر الشبكة العنكبوتية.
- وضح جلياً أن المدوّنين والناشطين الإسفريين عمدوا إلى رصد تعامل السلطة مع الاحتجاجات بتقنية عين الصقر، بتصوير وبث حملاتها الرامية إلى لجم المحتجين، وبدا أنهم يستهدفون توثيق الشدِّة التي أُخذ بها من خرجوا إلى الشوارع هاتفين بسقوط الحكام.
- أولئك يعرضون بضاعةً وفرتها لهم الحكومة في كل حشدٍ ومظاهرة، وورِّدتها لهم في أماكنهم، من دون أن يكدوا للحصول عليها، ليتولوا نقلها إلى مضارب الواتس، وأودية الفيس، مستدلين بها على اتهاماتهم الموجهة إلى السلطة، سعياً منهم إلى إدانتها في محكمة الرأي العام الداخلية، والمحافل الدولية.
- الغريب في الأمر أن الحاكمين وأنصارهم في شغلٍ عن تلك الملاحظة البديهية، لأنهم ما زالوا يصرون على أداء دور (المقاول) الحصري لمناصري الاحتجاجات على شبكة الإنترنت بكل همةٍ ونشاط، يورِّدون لهم ما يريدونه في أماكنهم، ويزودونهم بحاجتهم من المشاهد العنيفة، من دون أن يشقوا في طلبها، ثم يكتفون بعد ذلك بدفاعٍ مثقوب، يعين الخصم أكثر مما يدافع عن المرمى.
- يتساءل كثيرون، لِمَ لمْ تكتفِ الحكومة بإسناد أمر تفريق المتظاهرين إلى الشرطة وحدها، التي تملك خبرةً ودَرَبةً وعتاداً وضبطاً وربطاً، يعصمها من إراقة الدماء، وتحقيق المطلوب بمعزل عن أي خسائر غير لازمة.
- عماد قوات الشرطة يفوق المائة ألف رجل، يستندون كلهم إلى خبراتٍ نوعية، وتدريبٍ مكثف على التعامل مع الاحتجاجات، وتحكمهم ضوابط مشددة في التعاطي مع الأسلحة، منعاً لاستخدامها إلا في أوقات معينة، وبنهجٍ محدد.
- الذخائر التي تُمنح لأي قوة شرطية يتم تسليمها لآمرها كعُهدةٍ، تُحصى للتأكد من سلامتها واكتمال عددها بعد انتهاء المهمة، والرصاصة التي تخرج من سلاح أي شرطي يعقبها تدقيق وتحقيق، لتحديد علام صُوِّبت، وفيم أُطلقت، ومتى انطلقت، وماذا أحدثت.
- شرطة العمليات التي تتعامل مع الاحتجاجات تنص ضوابطها على إطلاق البمبان نفسه بحسبان، والقاذف الذي تخرج منه عبوات الغازات المسيلة للدموع يُصَّوب بزاويةٍ محددة، ولا يُعهد بحمله إلا لمن يجيد استخدامه، درءاً لمخاطر اصطدامه بالأجساد.
- الشرطي الذي يستخدم السلاح بغير ضابط يحال إلى الإيقاف من فوره، ويخضع إلى المحاسبة في المحاكم المدنية، وفي ذلك الإجراء ضابط إضافي يحد من استخدام السلاح الناري في غير موضعه.
- الشرطة لا تلاحق المحتجين إن تفرقوا وفروا من أمامها، ولا تطاردهم في الأزقِّة والحواري، ولا تقتحم البيوت، ولا تضرب النساء، ولا تستخدم الهراوات مع الناس إلا بحسبان، إذ لا يوجد في أدبياتها تعمُّد الأذى والتشفي في من تلقي القبض عليهم.
- لو تُركَ لها الأمر لما تكاثرت الخسائر، ولما تطاير الرصاص مع الدماء في الشوارع، ولما أزهقت أرواح بريئةُ، لم يضبط قتلتها حتى اللحظة.
- كان بمقدور الشرطة أن تقلل الخسائر، وتقلص حجم المشاهد المعروضة في أسواق الإنترنت، لتحجِّم آثارها، وردود أفعالها، وتحاصر خسائر إسناد أمر التعامل مع الاحتجاجات لغير أهله، فلِمً لم يكتفوا بها؟
التعليقات مغلقة.