* ما أحوجنا في مثل هذا الظرف الحرج إلى تغليب الحكمة، وتحكيم صوت العقل، لأن الأزمات لا تُدار بالعنتريات، والمشاكل لا تُحلُ بمنطق القوة وحده.
* ميَّز المولى عز وجل البشر عن السائمة بنعمة العقل، كي يستدل بها الناس إلى الحق ويتبعوه، ويستبينوا عبرها مكامن الشر فيجتنبوه، ويهتدوا بها إلى مواطن الحكمة، ومواضع الصلاح والفلاح.
* التصريح الذي أدلى به محمد مصطفى الضو، نائب الأمين السياسي للحزب الحاكم حول استعدادهم للجلوس والتحاور مع المحتجين حول شئون البلاد، يحوي نقلةً نوعيةً في طريقة تعامل المؤتمر الوطني مع الأحداث الجارية في البلاد حالياً.
* تفكير سوي، وتوجه ذكي يستهدف التعامل العقلاني مع أزمةٍ خانقةٍ، يصعب تجاوزها بالحلول الأمنية، ويستحيل عبورها بمنطق التحدي، الذي دفع بعض قادة الحزب الحاكم إلى التفكير في مقابلة الحشد بالحشد، والاحتجاج بالمؤازرة، عبر مسيرة النُصرة، التي نبتهل للمولى عز وجل أن تمر بسلام، كي لا تحدث في بلادنا (موقعة جمل) جديدة، تقود إلى ما لا يُحمد عقباه.
* الحوار المستهدف شعبوي، هادف ومباشر، يتناول لُب الأزمة، ويناقش جذورها، ويسعى إلى إقرار حلول ناجعة لها، ويخاطب آمال وأشواق ومطالب جيل الشباب، الذي أغفلت النخب إشراكه في حوار الوثبة، ولم تصطحب رغباته، ولم تهتم بتلمس مطالبه وأشواقه وطموحاته، حتى فوجئت به يفرض كلمته عليها، ويصنع الحدث بجرأةٍ تدير الرؤوس.
* الجيل المذكور يمثل غالبية أهل السودان حالياً، بحسب آخر تعداد رسمي، لذلك كان غريباً أن تخطئه مبادرات الحوار الرسمية، التي أنتجت واحدةً من أكثر حكومات السودان ترهلاً وعجزاً وضعفاً في الأداء، ومن يتفرس تكوينها سيلحظ من فوره أنها احتشدت بالكهول، وازدحمت بساسةٍ طاعنين في السن، يصعب عليهم أن يتفهموا مطلوبات جيل الشباب ورغباته وأحلامه.
* نختلف مع الأخ محمد مصطفى في وصفه لهذا الجيل بأنه لا يمتلك معاييراً يقيس بها الأمور، وأنه يمثل خطراً على الأمن القومي، لأن الأحداث التي لفتت أنظار العالم كله للسودان في الأيام الماضية كانت من صنع ذات الجيل الموصوف بالجنوح والتهور وفقدان البوصلة.
* شاهدنا كيف مارس الشباب حقهم الدستوري في الاحتجاج على سوء الأوضاع بمنتهى التحضر، وكيف حرصوا على تأكيد سلمية احتجاجاتهم، بالامتناع على التخريب والحرق والنهب وكل مظاهر الفوضى.
* جيل الشباب كان الأوفر تأثراً بالأزمة الاقتصادية التي أمسكت بخناق البلاد والعباد خلال الشهور الماضية، لأنها رفعت معدلات الفقر والبطالة، وقلَّصت فرص العمل، وأثَّرت على معاش أسرهم سلباً، فعجزت عن توفير أبسط احتياجاتهم، ودفعتهم للخروج إلى الشوارع طلباً للتغيير.
* يبقى التساؤل عن كيفية إدارة الحوار المقترح مع هؤلاء الشباب قائماً، لأن غالبيته غير مسيسة، ولا تنتمي إلى أي تنظيمات سياسية أو نقابية معلومة، يمكن ترتيب أجندة الحوار وتفاصيله ومراحله معها.
* الهتافات التي يرددها هؤلاء الشباب، والتي تستهدف التغيير السريع طبيعية، وتتفق مع روحهم وثقافتهم وتعليمهم وديناميكية تفكيرهم، ونعتقد أن التحاور معهم يمكن أن يخلط تلكم الحماسة الفوارة بحكمة الشيوخ، وخبرة وتمرس جيل الوسط، كي يصل الحوار المقترح إلى خلاصاتٍ مفيدةً، تهدِّئ النفوس القلقة، وتحقق المصلحة العامة، وتُلبِّي المطالب المُلحَّة.
* نقترح أن يُدار الحوار المقترح في الفضائيات السودانية بدءاً، بلا حواجز ولا ضوابط أمنية ولا شروط مسبقة، وأن تشرف عليه لجنة حكماء يتولى انتقاء أعضائها الشباب أنفسهم، كي تحدد معهم أجندة الحوار ومطلوباته، وتساعدهم على إدارة مراحله، وضبط سيره، ووضع خلاصاته أمام أولي الأمر.
* امنحوهم الفرصة كي ينقلوا أفكارهم، ويعبروا عن أشواقهم، ويتحدثوا عن مشاكلهم ومطالبهم في وسائل الإعلام الرسمية بدلاً من الشوارع والأسواق، وساعدوهم بتبيان مخاطر التغيير الفوري على البلاد، حال فرضه بلا تدابير حكيمة، تحول دون انزلاقه إلى الفوضى، وثقوا أنهم سيدهشونكم بسعة أفقهم، وحرصهم على مصلحة وطنهم، لأنهم لا يقلون عنكم حباً ولا حرصاً على سلامة السودان وأمنه وحقوق أهله.
* نحن أمةٌ شابة، تجاهل ساستها فتيانها فلم تحصد خيراً.. علينا أن نجرِّب الانصات إلى الجيل الناهض، بحوارٍ بنَّاءٍ ومسئول، نثق تماماً في أنه سيثمر خيراً وفيراً، وينتج أفكاراً جديدةً، تعين بلادنا وأهلنا على تجاوز هذا المخاض العصيب بسلام.
* جربوا ولن تخسروا شيئاً، فقد تجدون في نُصرة الشباب بعض العزاء عن خذلان الشيوخ.
د. مزمل أبو القاسم
التعليقات مغلقة.