:: ومما أغضب الناس بالأمس، ﻛﺸﻒ الدكتور موسى كرامة وزير الصناعة والتجارة ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻴﺮﺍﺩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻠﺤﺎً ﺑﻘﻴﻤﺔ ثلاثمائة ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ خلال الأعوام الفائتة، وليس خلال عام واحد فقط لا غير.. ولم يفصح الوزير كرامة عن نوع هذا ملح، وبالتأكيد لم يقصد ملح الطعام.. إذ ما يتم استيراده – بواسطة القطاع الخاص – نوع من الملح العالي النقاء المستخدم في الصناعات الدوائية، وأمريكا والصين وكندا وألمانيا من الدول التي تتصدر قائمة إنتاج وتصدير هذا النوع من الملح..!!
:: ورغم أن طول الساحل السوداني – بولاية البحر الأحمر – يزيد عن السبعمائة كيلومتراً، وقادر على إنتاج وتصدير كل أنواع الملح، إلا أن الإرادة الوطنية عاجزة عن إنشاء المصانع وتوطين صناعة الملح العالي النقاء، ولذلك تستورد مصانع الأدوية وغيرها.. وبدلاً عن التباكي للبرلمان والرأي العام، وكذلك بدلاً عن (الخجل)، فعلى الوزير موسى كرامة إقناع السادة بمجلس الوزراء وكل صناع القرار بحيث يوفروا مناخ الإنتاج، بما فيه إنتاج هذا الملح..!!
:: ولو توفرت الإرادة على مستوى الدولة وحسن الإدارة على مستوى أجهزة الدولة، فليس صعباً إنتاج صواريخ عابرة للقارات، وناهيكم عن الملح العالي النقاء.. ونخشى أن يستفزهم حديث وزيرهم موسى كرامة ويصدروا قراراً عنترياً بحظر استيراد هذا الملح قبل إنتاجه (محلياً)، فتتوقف المصانع عن إنتاج الأدوية وغيرها من مستخدمات الملح.. و ليس في أمرهم عجباً، فالسادة كثيراً ما يقررون (أولاً) ثم يفكرون (لاحقاً)، أي بعد أن تحصد الناس والبلد ثمار قراراتهم (الشتراء).. !!
:: ومن غضبوا على استيراد الملح العالي النقاء، لا يعلمون بأن أسواقنا تستورد الملابس أيضاً رغم أنف مزارع القطن بالجزيرة وغيرها.. ونستورد السكر أيضاً بعد عجزنا عن تشغيل مصنع سكر النيل الأبيض بكامل طاقته الإنتاجية بسبب الفساد وسوء الإدارة.. و نقف في صفوف البنزين والجازولين بعد عجزنا عن استغلال حقل الروات والكثير من حقول البترول التي لا ينقصها إلا القليل من التمويل والكثير من الإرادة.. والأدهى والأمر، لم يغضب نواب البرلمان على استيراد الدولة لقوت العام من القمح رغم أنف النيل والأرض والسواعد…!!
:: وعليه.. ما لم نؤسس دولة المؤسسات التي تقدس المؤسسية، وتؤمن بالمساءلة والمحاسبة، وتقدم أهل الكفاءة على بؤساء الولاء في مواقع البذل والعطاء، فسوف نظل – شعباً وحكومة ومعارضة – مجرد (لمة ناس) على قطعة أرض، أي لن نصبح دولة بكل ما تعنيها هذه الكلمة من معان.. وكما تعلمون، غير بلادنا ودول قليلة على ذات نهج بلادنا، لم تعد هناك دولة تحظر حركة التجارة.. فالحظر والمنع من سمات الدول (المتخلفة جداً)، أي الدول التي عقولها سادتها تدير الاقتصاد كإدارة الحكام لحلقات مصارعة الثيران..!!
:: ومن المعيب، منذ عام انفصال الجنوب ( 2011)، وإلى عامنا هذا (2018)، وهي فترة تكفي لتأسيس دولة من العدم؛ لا شيء في عقول السادة غير رفع الدعم وحظر السلع.. وكأن عبقرية السادة – بالقطاع الاقتصادي – لم تدرس من العلوم الاقتصادية غير رفع الدعم وحظر السلع.. فالاقتصاد المعافى دائماً ما يتكئ على زيادة الإنتاج، ومكافحة الفساد، وتجويد الخدمات، ثم تحرير التجارة والصناعة والزراعة، وليس بكتم أنفاس الأسواق لصالح المحتكرين وتمكين المفسدين والسماسرة والقطط السمان في مفاصل الحياة.. !!
التعليقات مغلقة.