باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
1135*120   Last

الطاهر ساتي: (التغليف)

1٬797

:: نوفمبر العام الفائت، عندما بلغ سعر الدولار (25 جنيهاً)، وهمست المجالس عن رغبة الحكومة في (تعويم الجنيه)، سألوا وزير المالية السابق محمد عثمان الركابي إن كان هناك سعياً رسمياً نحو (تعويم الجنيه)، فنفى واستبعد التعويم تماماً، ثم ذكر بأن سياسة تعويم الجنيه غير مناسبة ولن تلجأ إليها وزارة المالية، وكان هذا الحديث قبل عامٍ إلا شهراً.. وكما تعلمون فإن تعويم الجنيه مصطلح اقتصادي يعني عدم تدخل الحكومة عبر البنك المركزي – أو أية آلية أخرى – لتحديد سعر الدولار، وأن يكون السعر حسب العرض والطلب..!!

:: ولذلك، فإن ما يحدث حالياً ربما سياسة اقتصادية جديدة، ولم يتم تعريفها بعد.. رحم الله أستاذنا حسن مختار، سألته ذات يوم وهو يشاهد إحدى مباريات القمة: (هسه ناس أوروبا بيشاهدوا كورتنا دي؟)، فرد بطريقته الساخرة: (طبعاً ياخ، بيشاهدوها لكن بيفتكروها رياضة جديدة)..وما يحدث منذ صباح الأحد ليس تعويماً للجنيه، بدليل تأسيس آلية – ذات صلة بالحكومة – لتحديد سعر الدولار (يومياً)، أي تؤدي إحدى المهام التي كان يؤديها بنك السودان سابقاً.. وبما أن هناك سلطة ما – غير العرض والطلب- تحدد سعر الدولار، فلا جديد غير تغليف تدهور الجنيه بهذه الآلية..!!

:: لو لم تُشكِّل الحكومة هذه الآلية – أي رفعت يدها نهائياً عن تحديد سعر الدولار- لكان الأمر منطقياً، باعتبار أن هذا هو نهج التعويم، وأن هذا هو السعر الحقيقي والنهائي للدولار (47.7 جنيه)، ومن هنا يبدأ إصلاح الحال بالإنتاج وغيره.. ولكن هذا ما لم يحدث حتى الآن.. وكل ما في الأمر أن هناك إقراراً حكوميَّاً غير معلن بتراجع الجنيه السوداني، ثم – كنوعٍ من الحياء – تم تغليف الإقرار بالآلية التي لا وجود لها في (هيكل الدولة).. والمدهش في كل هذا الصخب هو أن تغليف الحكومة – لتدهور العملة الوطنية – بالآلية يُطرب البعض..!!

:: نعم، يُطربهم تغليف التدهور بالآلية وسعرها (47.7 جنيه)، وكأن هذا طموح الناس.. ويذكرني حالهم حدثاً طريفاً.. عندما نجح الأهلي شندي في هزيمة الأمير البحراوي بثلاثة أهداف في (الشوط الأول)، أصدر صديقي أسامة عبد الجليل رئيس الأمير قراراً بإقالة مدربهم – بين الشوطين – كأغرب توقيت إقالة في التاريخ.. وعندما عاتبته على هذا التوقيت، بحيث كان يجب إكمال المباراة بالمدرب، أجاب: (أنا عملت كدا عشان أحافظ على النتيجة).. وقد كان، وبالتأكيد أسعده نجاحه في إخراج فريقه من تلك المبارة مهزوماً (3/ صفر)، كما يفرح البعض بنجاح الحكومة إلى الوصول بالسعر الرسمي للدولار إلى (47.7 جنيه)..!!

:: وعلى كل، ثم ماذا بعد تغليف التدهور – يومياً- بهذه الآلية؟.. ولن تجد إجابة قاطعة حتى عند (حمدوك)، وهكذا حال أي اقتصاد يمضي بلا تخطيط، أي يمضي بنظريات من شاكلة (تعال نعمل آلية).. وفي الذاكرة وصف الدكتور الحاج آدم – عندما كان نائباً للرئيس – للواقع الاقتصادي، إذ قال بالنص: (الواقع في السودان تجاوز لغة الأرقام ويعتمد على الله).. فالتخطيط الاقتصادي – بحيث تنتج البلاد لحدّ الاكتفاء وعدم العجز – لم يعد يعتمد على لغة الأرقام، بل يعتمد على الله..وقد صدق الحاج آدم، ولكنه يخطئ لو ظن بأنه قصد (التوكل على الله)، وليس التواكل المتكئ على (العجز)..!!

التعليقات مغلقة.

error: