:: متحدثاً عن كرة القدم وجدوها، يقول المدرب الألماني يورغن كلوب: (كرة القدم ليست مهمة جدًا، نحن لا ننقذ أرواح الناس، فقط وظيفتنا جعل الناس ينسون مشكلاتهم لمدة 90 دقيقة).. لقد صدق كلوب.. ولكن لو أن كرة القدم وسيلة إيجابية وتتناسى بها الشعوب قضاياها وأزماتها لمدة (90 دقيقة)، فإن لهذه الحكومة – ومجتمعها – وسائل (سالبة للغاية) و(فاعلة جداً)، بحيث تجعل الناس في بلادنا ينسون حتى أنفسهم وبؤس حالهم، ولا يشعرون حتى بأوجاعهم.. وما من أزمة تؤرق مضاجع الوطن وتطحن حياة المواطن، إلا وقد أوجدت جهة ما (وسيلة إلهاء)..!!
:: وعلى سبيل المثال، فإن حمى الشيكونغونيا تجتاح محليات ولاية كسلا لحد إصابة الحياة هناك بالشلل، ولكن تجتهد جهة ما في صرف عقول وأنظار الناس عن هذا الوباء، وتشغلها بوسيلة إلهاء سالبة وفاعلة مسماة بقضية (وئام شوقي).. لقد وجدت خُطب المساجد ضالتها في (وئام شوقي)، وبها نجحت في أن تشغل المصلين عما يحدث في كسلا.. وكذلك من نسميهم بعلماء السودان وبعض الشيوخ، فإن حالهم كأهل العراق الذين سألوا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن قتل البعوض للمُحرم، وتناسوا أنهم استباحوا دم الحسين عليه السلام في الشهر الحرام..!!
:: وليس في هذا الإلهاء عجب، وقديماً حلل نعوم تشومسكي ما يحدث حالياً بالنص القائل: (حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشكلات الحقيقية، والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها، أبقُوا الجمهور مشغولاً، دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى).. ما يحدث بولاية كسلا يستدعي إعلان الطوارئ وتشكيل غرف عمليات مركزية وولائية ومخاطبة المنظمات الإقليمية والدولية لمحاصرة هذا الوباء ولإنقاذ حياة الناس.. لقد تأثرت كل محليات كسلا بالوباء، ومع ذلك لم تستشعر حكومتي الخرطوم وكسلا بالمخاطر بعد..!!
:: وعدم إحساس السلطات – المركزية والولائية – بمخاطر حمى الشيكونغونيا قد يتسبب في توسيع دائرتها، ليبكوا ويتباكوا ولايات السودان الأخرى بعد (خراب مالطا).. والمؤلم في وباء حمى الشيكونغونيا، ليس أوجاع من يتوسدون الأرض عندما ضاقت بهم عنابر المشافي والمراكز الصحية، ولكن حرص حكومة كسلا على (التعتيم الإعلامي) صار أكبر من حرصها على علاج المرضى ووقاية المرافقين، وهذا هو (الألم الأكبر)..!!
:: وتغطية أوجاع أهل كسلا بوسائل الإلهاء ثم بالتضليل الصادر عن حكومتهم ليست بدعة، لأن النهج العام في إدارة ملفات الكوارث لا يختلف كثيراً عن نهج الولاة.. إن كانت اللامبلاة – بما يحدث للمنكوبين- من صفات (العود)، فمن الطبيعي ألا يستقيم الظل بكسلا وغيرها.. ما الذي يمنع حكومة آدم جماع عن طلب إعلان الطوارئ، لدرء المخاطر؟.. لا شيء يمنع حكومة جماع عن إعلان الطوارئ.. ولو كانت المخاطر أمنية وتستهدف (مقاعد السادة)، لأعلنوا هذه الطوارئ قبل أسبوع.. ولكن المخاطر تستهدف فقط حياة الناس وصحتهم، ولا بواكٍ لهذه وتلك..!!
التعليقات مغلقة.