:: منذ عام الاحتكار غير الحميد، يردد خبراء الاقتصاد – وكل من يعلم أبجديات البيع والشراء – بأن المنتج السوداني ليس بساذج ولا جاهل ليصطلي بهجير الفيافي وقمم الجبال وسفوحها ثم يبيع ذهبه بسعر زهيد لبنك السودان، بيد أن الأسعار المغرية – قاب قوسين أو أدنى – في تلك الدول التي ظلت تجذب ذهب السودان بمنافذ التهريب.. احتكار الذهب لبنك السودان – بحيث يشتري بما يشاء من سعر زهيد – كان ولا يزال وسيظل من أكبر دوافع التهريب..!!
:: ولقد أحسن رئيس الوزراء معتز موسى عملاً وهو يعلن – نهار أمس – التزام بنك السودان بشراء الذهب بالسعر الحر، وذلك من خلال آليات ومحفظة بنوك أو شهادات أو صكوك بهوامش أرباح مجزية للغاية ترضي المعدنين.. هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنها ليست كل المطلوب.. فالمطلوب – ولو تدريجياً – هو إعلان خروج البنك المركزي من أسواق الذهب (نهائياً)، بحيث يكتفي بالرقابة والتشريعات، ويدع أسواق الذهب للبنوك التجارية بالتمويل وللشركات بالشراء والتصدير..!!
:: كانت هناك (13 شركة وطنية)، تعمل في سوق الذهب بالمنافسة شريفة، وعبر قنوات الدولة الرسمية تأتي بالعائد إلى البلد قبل تصدير الذهب، أي بنظام (الدفع المقدم).. وكانت تلك الشركات، عبر البنوك التجارية، تأتي بقيمة الصادر (دولاراً)، ثم تشتري الذهب من شركات التنقيب والأهالي بالمنافسة ذات الفائدة للمنتج، ثم تصدر عبر القنوات الرسمية بعد سداد ما عليها من رسوم وضرائب..!!
:: وكانت الحكومة تستخدم حصيلة الصادر – التي استجلبتها الشركات قبل التصدير الذهب – في تغطية بنود الأدوية والسلع الضرورية وغيرها.. هكذا كانت فوائد الإنتاج والتصدير للناس والبلد، ولم يكن هناك تهريباً بهذا الحجم، ولا جنوناَ في سعر الدولار.. فالمنافسة الشريفة في كل مناحي الحياة – بما فيها الإنتاج والبيع والشراء والتصدير – هي التي تقضي على التهريب والفساد والفشل، وتزيد من حجم الإنتاج وترفع قيمة الوطن والمواطن قبل الجنيه..!!
:: وليس فقط بسعره الزهيد الذي يشجع التهريب، ولكن أيضاً – بنهج الاحتكار – فقد السودان الكثير من عائد صادر الذهب.. وقبل سياسات بنك السودان (الفاشلة)، لم يكن هناك تهريب للذهب لحد تقزم حجم الصادر رغم أنف ضخامة حجم الإنتاج.. نعم، فالسودان لم يستفد من احتكار بنك السودان لسوق الذهب غير ارتفاع نسبة التضخم، وانخفاض الصادر وارتفاع نسبة التهريب التي تُزعج صارت تزعج السلطات النظامية وترهق خزينة الدولة.. فالفائدة الاقتصادية في سياسة التحرير التي يطبقها (المواطن فقط)..!!
:: وقبل المزيد من الخراب، على مجلس الوزراء توفير مناخ المنافسة للمصارف والشركات، لتنافس بعضها – في التمويل والبيع والشراء – بالجودة والسعر.. ومن الخطأ أن يظل بنك السودان كاتماً أنفاس المنافسة بقبضة الاحتكار حيناً، ثم بسعره الذي يُحفِّز المواطن على التهريب.. فالمنافسة الشريفة في – البيع والشراء – هي النار التي تحرق تهريب كل المنتجات، بما فيها الذهب.. لماذا لا يشتري بنك السودان الذهب من المنتجين بأسعار تنافس أسعار الدول التي يُهرّبون إليها؟، أو هكذا كان السؤال غير المسموع.. ويبدو أنهم قد سمعوه (أخيراً)..!!
Tahersati@hotmail.com
التعليقات مغلقة.