:: ولا يزال الأهل بمنطقة تربا – شرق جبل مرة – يبحثون عن جثث ضحاياهم بالمعاول وغيرها من الوسائل التقليدية بعد عجز السلطات عن تقزيم حجم خسائر الحدث المؤلم بعدة الطوارئ وعتادها الحديث.. تعرضت تربا بشرق جبل مرة إلى أمطار وسيول جرفت التربة وعرت الصخور بحيث تنزلق وتجتاح القرية الواقعة تحت سفح الجبل.. مات العشرات، ولا إحصائية مؤكدة، إذ تطلق كل جهة رقماً حسب هواها.. إحصائيات السلطات الحكومية تتحدث عن العشرينيات، بيد أن الحركات والمعارضة تتحدث عن الخمسينيات.. ولكن المؤكد لا يزال بعض الأطفال والنساء وكبار السن تحت ركام الجبل..!!
:: سبتمبر العام قبل الفائت، كنت هناك.. وكانت منطقة تربا وكل قرى جبل مرة تئن بآثار المعارك الآخيرة، وكانت مشاعر الأهل تتنقل ما بين التوجس والحزن، ثم ترتقب الغد المجهول بالقليل من الأمل .. ومن هناك كتبت بالنص: (ليت رصف الطرق وبناء السدود و مد الجسور وحصاد المياه انطلق (من هنا)، وليت خدمات المياه والكهرباء وشبكات الإتصالات توفرت هنا قبل أي مكان آخر).. هكذا كانت الأماني في تخوم جبل مرة وأرياف زالنجي وقرى كأس ونيالا وغيرها من أرض الخيرات.. فالمواطن هناك منتج، ويقدس الإنتاج، وكذلك المواطنة..!!
:: وسيان أحمد وفاطمة حين تشرق شمس العمل.. يتقاسمان الكد زرعا في الحقل وبيعا في السوق ورعيا في البادية.. ولأن لكل مجتهد نصيب، تمتلئ أسواق دارفور بخيرات المجتهدين في قرى جبل مرة.. والمؤسف أن الإنتاج هناك مهدر.. أسعار اللحوم والألبان والأجبان والخضر والفاكهة في مواقع الإنتاج لا تلبي طموح المنتج.. أسعار هزيلة في مواسم الإنتاج.. والإنتاج وفير لحد الكساد، زرعا وضرعا، ليس في فقط في محليات جبل مرة، بل في كل محليات دارفور.. ومع ذلك، المنتج فقير ومسكين، لسوء التسويق.. وسوء التسويق مرده (العزلة)..!!
:: والأهل هناك، على قمة الجبل وتحت السفوح، ليسوا بحاجة إلى (إغاثات) كما يتوهم البعض.. ولكنهم بحاجة إلى خدمات الكهرباء والمياه وشبكات الطرق التي توزع الإنتاج الوفير وتنقذه من الكساد.. وفي هذا تحفيز للمنتج وتأمين لحياة الأهل بدارفور.. فالسادة، صناع القرار، قد لا يعلمون بأن اليد المنتجة حين يكسد إنتاجها تدع الإنتاج وتحمل السلاح، أما تمرداً على التجاهل أو ليعيش صاحبها بقوة السلاح (ناهباً).. ولو كانوا يعلمون بجدوى طريق الإنقاذ الغربي لصاموا عن الأكل والشرب منذ استقلال بلادنا وحتى (يكتمل الطريق)، ولكن قدر السودان – منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا – هو أن صناع القرار يجهلون مكامن القوة ومصادرها..!!
:: ومن يبحثون تحت ركام الجبل عن ضحاياهم، وغيرهم في وديان والسهول، حلمهم ليس (السُلطة والثروة)، بل كان ولا يزال الحلم بأن هناك مصانع تستوعب طاقات الشباب ومشاريع تنتج وتصدر بطاقات في استيعابها الحركات المسلحة وسفن الهجرة عندما غفلت أجهزة الدولة المنوط بها توزيع الطرق والجسور والكهرباء – وكل الخدمات – كما يجب.. هكذا الحلم في تلك المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، منذ تاريخ الاستقلال وحتى يوم انزلاق بعض صخور جبل مرة.. رحمة الله عليهم، ليسوا وحدهم ضحايا ركام الجبل، فالكل في بلادنا تحت ركام العجز والفشل، منذ انزلاق الحال العام.. والحمد لله على كل حال.
Tahersati@hotmail.com
التعليقات مغلقة.