* يقطع المتشائمون شوطاً بعيداً في سوء الظن باتفاقية الخرطوم لسلام الجنوب، ويراهنون على أنها لن تصمد طويلاً، لأن تسلق جبال الكراهية التي شهقت بين فرقاء الجنوب يبدو مستحيلاً في نظرهم، ويدللون على ما حاق بالاتفاق الأول، الذي جمع النقيضين، وقرّب الشتيتين، ثم آل إلى حرب ضروس، أهلكت الحرث والنسل، ودمرت كل مقومات الحياة في الدولة الوليدة.
* الحرب التي انطلقت شرارتها الأولى من قلب العاصمة جوبا، بل من داخل القصر الرئاسي، فاقت كل الحروب الحديثة قبحاً ودماراً ووحشية، وأنتجت واقعاً مأزوماً يرجّح صمود الاتفاق الجديد، لأن حكام الجنوب أنفسهم ما عادوا قادرين على الاستمرار في سداد كلفة الحرب الباهظة، ناهيك عن شعبٍ مظلوم ومنهك، بات فاقداً للأمل قبل القدرة على الحياة.
* النزاع نفسه ما عاد محصوراً بين الدينكا والنوير كما كان في السابق، ولا بين سلفا ومشار، لأن الحركة الشعبية نفسها تضعضعت وتفرقت إلى سبع شيع، خرجت ست منها مغاضبة وباتت محسوبة في زمرة المعارضة، وفيها من فيها من قيادات الدينكا والشلك والاستوائيين، ورموز الجيش الشعبي الذي انقسم على نفسه إلى مليشيات تهدد بنيان الدولة، وتؤذن بزوالها، بعد أن أوغلت في الفشل.
* مجموعات مؤثرة كانت محسوبة على سلفا وخرجت عليه، منها الحركة الشعبية المتحدة التي يقودها بول ملونغ، رئيس الأركان السابق للجيش الشعبي، الملقب في جوبا (بالكينغ)، الحاكم الأسبق لولاية بحر الغزال، الذي اختلف مع سلفا وأقيل ووضع قيد الإقامة الجبرية، قبل أن يخرج إلى نيروبي طلباً للعلاج، ويؤسس مجموعة مؤثرة جاهرت بمعارضتها لسلفاكير.
* ومنها حركة كوستيللو قرنق وأبناء السلطان عبد الباقي، رئيس المجلس الإسلامي في الجنوب، والممثل الشرعي لدينكا أويل، وغير شوان وزير الداخلية السابق، الذي انضم إلى مجموعة العشرة، برفقة ربيكا قرنق وابنها مبيور، بخلاف شخصيات من العيار الثقيل، أمثال دينق ألور ود. أجاك أغوت، وباقان أموم وتوماس سيريللو نائب رئيس هيئة الدفاع رئيس الإمداد (الرجل الثالث في الجيش الشعبي)، ومجموعة جوزيف باكاسارو حاكم غرب الاستوائية الذي هزم الحركة الشعبية في الانتخابات، ومعارضة الداخل السلمية بقيادة حزب سانو والحزب الشيوعي الجنوبي، وبقية المكونات التي تمسكت بالمعارضة ورفضت حمل السلاح.
* انفراد دينكا واراب بحكم الجنوب ما عاد ممكناً بعد أن نالت مجموعة سلفا لقب (باب العزيزية)، كنايةً عن غلوها في الاستئثار بالسلطة، بخلاف أن حسابات الاقتصاد نفسها تلزم الرئيس سلفا وحاشيته بأن يحرصوا على نجاح الاتفاق ويحرسوه ببنادقهم ومدفعيتهم وسلاح طيرانهم، بعد أن فرغت خزائن الدولة من المال، وتفشى فيها الجوع والغلاء وانعدمت فيها كل مقومات الحياة.
* لا يوجد سبب واحد يحول دون صمود اتفاق إما أن ينجح أو ينجح، لأن أبواب الفشل باتت موصدة أمامه، بعد أن نفد رصيد كل المتصارعين لدى شعب الجنوب.
* المجتمع الدولي نفسه، والمحيط الإقليمي لن يتسامحا مع أي جهة تحاول نقض اتفاق قد يؤخر سريانه شيطان التفاصيل، لكنه لن يفسده، لأن الظروف المحيطة به تحرسه، وتجعله حصان من كل انتهاك.
* وكما ذكر زميلي المحلل البارع محمد لطيف فإن وجود الجيش السوداني كحارس أمين للاتفاق سيقوي حظوظ النجاح، ويوفر عوامل الثقة، لأن إخوان الشمال سيأتون إلى أرض الجنوب حاملين سلاحهم بيد وغصن الزيتون باليد الأخرى، سعياً لحراسة جنة السلام الجديدة في ربوع الدولة الوليدة.
* غداً بحول الله نكتب عن المكاسب المرجوة للسودان من أقيم وأهم اتفاق سلام في العالم حالياً.
د. مزمل أبو القاسم
التعليقات مغلقة.