باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

المحامي عبد العظيم حسن: “التصحيح” دولة القانون (9)

857

 

ساهم القضاة المسيحيون في التجربة القانونية السودانية بما لا يقل عن مساهمة زملائهم من الأسلاميين. أقول وجهة النظر الصريحة هذه وفي نفسي شيىء من العتب على الزميل المحترم عادل سمير توفيق قاضي المحكمة العليا الذي دفع باستقالته مؤخراً لرئيس القضاء الذي مررها لرئيس الجمهورية متوقعاً الأخير أن يطرح عدد من الأسئلة عن أسباب هذه الاستقالة قبل أن يبت فيها قبولاً أو رفضاً.

القاضي عادل سمير توفيق بات من النفر القليل بالمحكمة العليا ممن تخرجوا في كلية القانون جامعة الخرطوم. منذ تخرجه، عمل عادل سمير بالمحاماة لفترة قصيرة ثم التحق بالسلطة القضائية إلى أن بلغ أعلى درجاتها. خلال فترة عمله بالسلك القانوني اتيحت لعادل سمير فرصة العمل مستشاراً بالمصرف العربي بالخرطوم ومرة أخرى لسوق الأوراق المالية بمملكة البحرين ثم مستشاراً لبنك دبي التجاري إلى أن عاد مؤخراً ليعمل ضمن زملائه بالمحكمة العليا. التجربة الثرة التي نالها القاضي عادل سمير، سواء داخل أو خارج السودان، يجب أن تستفيد منها السلطة القضائية في المسائل التجارية بجانب استيعابه في تدريب الكوادر الجديدة بمعهد العلوم القضائية والقانونية.

لم تلد السلطة القضائية السودانية من القضاة المسيحيين عادل سمير وحده وإنما أنجبت من قبله شيخ الوراقين السودانيين وأستاذ الأجيال هنري رياض سكلا. هذا العالم المتواضع قام بأدوار عظيمة تكفينا مفخرة مذكرة الرأي القانوني التي كتبها عن حماية الحق في التقاضي بقضية “المستأجرون لدكاكين المنطقة الشرقية ضد حكومة السودان”. هذه القضية قيل عنها أن جعفر نميري لم يكتف بأن أصدر قانوناً يمنع المحكمة العليا من نظرها وإنما تدخل موجهاً المحكمة بأن ترفض حتى قضية الطاعنين، فكان.

لم يكن هنري رياض شخصاً عادياً وإنما كان مثال للخلق والعلم الذي يسير بين الناس. أكبر إسهامات هنري رياض قيامه بالعديد من التراجم للكتب القانونية وغير القانونية. بجانب ذلك أشهد لهنري رياض أنه أول من سن جمع وتصنيف السوابق القضائية فضلاً عن قيامه بإصدار أكبر موسوعات للأحكام في الإجراءات المدنية، الإدارية والدستورية. المتتبع لطريقة هنري رياض يلحظ بأنه كان يحرص على نشر القضايا غير الواردة بمجلة الأحكام القضائية والتي قد يكون عدم نشرها عن قصد أو بدونه. من ضمن السوابق التي أتاحها هنري رياض، القضايا المتعلقة بالحقوق والحريات العامة، نذكر منها على سبيل المثال قضايا شارك فيها بالنقض في القتل والإعدام ونحوها من المحاكمات السياسية في السودان. رغماً عن ذلك كان جزاء هنري رياض من الإنقاذ الإحالة للصالح العام.

القاضي عادل سمير قام بالأمس بمبادرة كريمة تبرع فيها بكل راتبه لصالح أسر شهداء حادثة بحيرة سد مروي بولاية نهر النيل. هذه المبادرة، وإن جاءت فردية من قاض ينتظر مصير استقالته، إلا أنها تحسب لصالح السلطة القضائية السودانية التي ترعرع فيها عادل سمير وأتوقع أن يتزايد صداها لتتطور من مجرد مبادرة شخصية إلى مؤسسية تشمل كل الجهات العدلية.

مبادرة راتب القاضي المسيحي عادل سمير كواحد من أفراد الشعب السوداني يجب أن تقرأ مع مفاهيم التفاعل عند إطلاق أول صاروخ على غزة أو الرياض أو نحوها من الأحداث العالمية والإقليمية. هبة بعض المساجد والشوارع ممثلة في الحركات والجماعات الإسلامية الوطنية التي يهتم الكثيرون من قادتها، عن علم أو جهل، بالمظاهرات وجمع التبرعات متناسين أزمات أقرب في دارفور وغيرها من مناطق السودان المكلومة. هذا التخبط في ترتيب الأولويات في تفاعلنا الشعبي والرسمي يجعلني دوماً أتساءل: هل سمعتم عن مبادرة مجتمعية للمؤسسات والشركات السودانية تتفاعل كالغرب الأوربي والأمريكي مع مشكلاتنا المحلية؟

إذا بقي عادل سمير في السلطة القضائية السودانية ممارساً لمهنته أو غادرها للعمل في مجالات القانون الواسعة فإن التاريخ سيشهد له قيامه بمبادرة نوعية لم يألفها السودانيون من العاملين في الحقل القانوني أو غيرهم. راتب مولانا عادل سمير، على قلته، سيكون له دلالة رمزية واسعة داخل قبلية القانونيين سواء في السلطة القضائية، وزارة العدل، النيابة العامة أو المحامين. الجميع، في نظري المتواضع، ملزمون بأن ينتظموا في مبادرات مجتمعية يكون له كبير الأثر في تغيير الواقع العدلي، السياسي والاجتماعي السوداني.

لا يفوتني أن أطلب من القاضي عادل سمير أن يعتذر عن أي قضية يظهر أسمي محامياً أمامه، كما لا يفوتني أن أعتذر للقارىء الكريم عن الخطأ النحوي الذي بدأت به مقالي الأسبوع الماضي. قد لا يكون الخطأ ملحوظاً رغماً عن ذلك لا أجد لنفسي العذر وإنما أن انتهز السانحة للإشارة إلى أن لسان السودانيين ليس عربي بينما تدعي معظم قبائلنا الشرف والنسبة للعباس والرسول الكريم في بعض الروايات. من جانب آخر هذا الخطأ اللغوي الفاحش يكشف عن مستوى التدهور في اللغة العربية، أما عن غيرها من اللغات فحدث ولا حرج.

 

 

التعليقات مغلقة.

error: