:: يناير الفائت، قال التسريب بالصحيفة المقربة من صناع القرار الحكومي بالنص: (واحدة من تسريبات اجتماع الشورى السري للحزب الحاكم مقترح قسمة ثروة الأعضاء البارزين وتوريدها في الخزانة العامة لمواجهة الظروف الاقتصادية الطارئة، وتحمّس عددٌ من الرموز لمقترح غير الرسمي).. هكذا كان التسريب بصحيفة (الصحافة) التي تم قتلها على مراحل بحيث كان الموت الأخير قبل شهر تقريباً، وجاء الخبر تحت عنوان (قسمة الثروة الإخوانية).. ولم تتم هذه القسمة، ولم يتبرَّع أحدهم بجنيه لصالح الخزانة العامة..!!
:: وما تذكَّرت تلك القسمة المنسية إلا حين قرأتُ بصحف الأمس ما يلي بالنص: إنفاذاً لقرارات مجلس الشورى، يطلق المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم حملة (أشعريون)، وقال نائب رئيس المؤتمر الوطني بالخرطوم ونائب الوالي محمد حاتم سليمان إن الخرطوم على موعد لتدشين حملة (أشعريون) يوم الثلاثاء القادم، وتبدأ الحملة بجمع ذراع خروف في عيد الأضحى وتوزيعها على الفقراء، ثم تترى بعد ذلك مبادرات أخرى لعبور التحدي الاقتصادي بعزيمة أهل السودان وتكافل مجتمع الخرطوم..!!
:: وعليه، نذكرُهم بيوم تبوك.. بحيث كان لزاماً على جيش محمد صلى الله عليه وسلم قتال الروم، وكان الوضع الاقتصادي مأزوماً، فخرج المصطفى عليه السلام لصحابته الكرام محفزاً إيّاهم على دعم الجيش: (من يجهز الجيش العسرة وله الجنة؟).. وتوافد الكرام إلى حيث النداء الحبيب.. يأتي الصديق بماله، فيسأله المصطفى: (هل أبقيت لأهلك شيئاً؟)، فيرد: (أبقيت لهم الله ورسوله).. ثم الفاروق، ويسأله المصطفى ذات السؤال، فيرد: (نعم، نصف مالي).. ثم ذو النورين بما يكفي تجهيز ثلث الجيش، ليقول المصطفى: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم).. وهكذا..!!
:: تسابقوا إلى الخزانة العامة بأموالهم الخاصة، حتى تم تجهيز الجيش.. ويوم تبوك لم يكن اختباراً لصبر الكرام على القتال فحسب، بل كان أيضاً امتحاناً للإنفاق مما يحبون، ونجحوا في الامتحان.. كان الرجل منهم يأتي بقوت يومه، ويضعه أمام المصطفى عليه السلام، وكانت النساء يرسلن خلالهن وخواتيمهن لسد عجز خزانة الجيش.. يوم تبوك كان عاماً من أعوام العسرة، حيث جدب البلد وجف الزرع والضرع ولم تحمل الأشجار ثمارها، وضعفت الموازنة العامة لحد العجز عن تجهيز جيش..!!
:: و يبدو أن يوم تبوك كان كما كعهدنا هذا.. ولقد عجزت السلطة وميزانية البلد عن تقزيم نسبة الفقر بحيث لا يخرج حاتم للناس والصحف باقتراح (ذراع الخروف).. لقد اتسعت دائرة الفقر، ومع ذلك لم – ولن – يخرج بدرياً من القوم بنصف أموال شركته، أو بقيمة مزرعته، أوبثمن بيت من بيوته، ليدعم (خزانة العسرة).. فالقطط السمان وإخوانهم في الله، منذ ثلاثة عقود، وفي غفلة الضمائر والقانون، امتلكوا أرصدة بالبنوك وأسهم الشركات وأفدنة المزارع والعقا، وما طابت لهم من الأصول، بيد أن الشعب يكاد أن يقتات من بيت النمل (فقرا وحرماناً)..!!
:: ولو كانت النوايا لله، كما نوايا الذين كانوا حول قائدهم يوم تبوك لدعم الجيش بأغلى ما يملكون، لتقدموا صفوف دعم الموازنة العامة العاجزة عن إطعام الفقير والمسكين بما ظلوا يكنزونه – بالحلال والحرام – طوال الثلاثة عقود الفائتة، ولكن النوايا للدنيا وسلطتها وثروتها، ولذلك شيّدوا قصورهم بيد أن آبار البلاد مُعطلة.. وبلا شعارات، وبغير تذكير من الحزب الحاكم ومحمد حاتم، تطعم فضائل المجتمع السوداني الفقير والمسكين في يوم العيد وكل العام، ولكن (الأشعبيون) لم يرتقوا إلى مراقي هذا المجتمع..!!
التعليقات مغلقة.