للقدر وحده دور في اكون وزيرا للعدل لعامين إلا بضعة أيام جمعني العمل باخوة كرام بدءا من السيد رئيس الجمهورية المشير البشير والنائب الأول الفريق اول بكري حسن صالح والنائب الأستاذ حسبو عبد الرحمن والأخوة الوزراء وأرجو ان اتمكن من كتابة تلك التجربة وما تعلمته خلالها من كثير منهم . لمست في خلال تلك الفترة مدى تقبل القادة لسيادة حكم القانون وحسن تطبيقه وللتاريخ أود سرد واقعة هامة واحدة لها الصلة بالمبدا الإسلامي والدستوري والعالمي وهو سيادة حكم القانون.
في مساء اليوم التالي لأداء القسم اتصل بي رئيس القطاع السياسي لحزب المؤتمر الوطني اخي الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل وأفادني بانني بحكم وظيفتي عضو بالمكتب السياسي للحزب وان هناك اجتماعا بعد نصف ساعة بدار الحزب وان الدعوة قد وجهت خطأ للسيد وزير العدل السابق كما ان وزير العدل السابق هو أيضا عضو بصفة اخرى ، وطلب مني الحضور اعتذرت له وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت مباشرة للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية وقلت له إن وزير العدل بموجب الدستور الانتقالي لسنة 2005 هو مستشار الدولة والنائب العام ( تعدل بموجب التعديل الدستوري في 2016 بفصل منصب النائب العام ) ، وهو بموجب قانون الأحزاب لعام 2007 المادة 12 : 2: والتي تنص : على الرغم من احكام البند 1 والتي تتحدث عن الحق في المشاركة في تأسيس الأحزاب السياسية وعضويتها واحكام المادة 65 من الدستور لا يحق لأي من المذكروين أدناه المشاركة في عضوية أي حزب سياسي أو الانضمام أو الانضمام إليه خلال فترة توليه المنصب وهم :
أ : أفراد القوات النظامية ، ب : القضاة بالسلطة القضائية ، ج : المستشارون بوزارة العدل ( وكان المستشارون هم وكلاء النيابة في ذاك الوقت ) د : القيادات العليا في الخدمة المدنية ، هـ : الدبلوماسيون بوزارة الخارجية فطلب مني سعادته الالتزام بالقانون .
قد يسأل سائل ما صلة هذا السرد والذي قد يعده البعض( كسير تلج ) بهذه الوحدة الحديثة الإنشاء ؟
بذات الحماس الذي يقود به الأخ صلاح قوش جهاز الأمن والمخابرات الوطني وحتى يوفق مع الأجهزة الأخرى صاحبة الاختصاص الأصيل في تحقيق أهداف اسم الوحدة أقول :
فبموجب التعديل الدستوري لسنة 2017 ألذي ألغي المادة 151 من دستورواستعاض عنها بالمادة الجديدة التالية :
المادة 151 : 1 : ينشأ جهاز للأمن والمخابرات الوطني ويكون قوة نظامية مهمتها رعاية الأمن الوطني الداخلي والخارجي ويحدد القانون رسالته وواجباته ومهامه وشروط خدمته .
2 : تكون خدمة جهاز الأمن والمخابرات الوطني خدمة مهنية ويركز في مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتبويبها وتقديمها للأجهزة المختصة .
3 : يعمل جهاز الأمن والمخابرات على مكافحة مهددات الأمن القومي بما في ذلك جرائم الإرهاب وغسيل الأموال وتهريب البشر والجريمة المنظمة الدولية منها وعبر الدولية بالتنسيق ……………..
كما نص الدستور والقانون على تبعية هذا الجهاز للسيد رئيس الجمهورية الذي هو رئيس السلطة التنفيذية ، كما أنه بموجب الفصل التاسع من الدستور وعنوانمه أجهزة تنفيذ القانون والأمن الوطني الذي يتشكل من الفصل الأول القوات المسلحة القومية ثم الفصل الثاني بعنوان أجهزة تنفيذ القانون الشرطة أولا والأمن الوطني تحت الفصل الثالث .
كما ينص قانون الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010 على السلطات والاختصاصات وأرى من فائدة القارئ ولإثراء النقاش الإشارة إليها : والتي جاءت على سبيل الحصر في حفظ امن السودان القومي وحماية دستوره وسلامة مواطنيه من أي خطر داخلي او خارجي ، وجمع المعلومات المتعلقة بامن السودان الخارجي والداخلي وتحليلها وتقييمها والتوصية باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة ، والبحث التحري اللازمين للكشف عن أي أوضاع أو وقائع أو مناشط أو عناصر يكون من شأنها المساس بامن السودان القومي وسلامته وفقا لأحكام القانون ، وتقديم الرأي والنصح والمشورة والخدمات …. بما يحقق تأمين وسلامة الدولة .
كما ان السلطات وردت في المادة 26 من القانون بالنص على : بعد الاطلاع على وثيقة الحقوق في دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005 يمارس الجهاز السلطات الآتية وفقا للقانون وهي : أ : طلب المعلومات او البيانات او الوثائق … والاطلاع عليها او الاحتفاظ بها أو اتخاذ ما يراه ضروريا … ب : استدعاء الاشخاص واستجوابهم وأخذ اقوالهم ، ج : الرقابة والتحري والتفتيش ، د : حجز الأموال وفقا للقانون واخيرا قبض وحجز الأفراد وفقا لما هو وارد في المادة 50 من القانون والتي تحدد سلطات أفراد الجهاز والمدير والمجلس .
كما ان في علم الجميع استقلال السلطة القضائية عن الجهاز التنفيذي كما انه بموجب التعديل الدستوري 2016 فقد أنشئت سلطة النيابة العامة كسلطة مستقلة توازي السلطة القضائية ويقف النائب العام على درجة مساوية للسيد رئيس القضاء .والنيابة العامة صاحبة الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوى العمومية وتختار لها شكل السير فيها تحر أم تحقيق ام إجراءات أولية وتباشر إجراءاتها وممارسة التمثيل امام القضاء والطعن في قراراته حفاظا على النظام العام والدفاع عنه وحمايته .
كما ان قانون المفوضية القومية للشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد حدد اختصاصات المفوضية بأوسع من جميع قوانين السودان بتعريف للممارسات الفاسدة في المادة 4 ومنها الأفعال التي تعتبر فاسدة وفق الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي يصادق عليها السودان ، ولتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد في كافة مستويات الحكم وتحقيق اهداف كبيرة وردت في المادة 6 من القانون أهمها تعزيز مبدا المساءلة لكل شخص مهما كان موقعه ومنع الفساد وحماية الأجهزة من الرشوة والمتاجرة والوساطة والمحسوبية ومن ضمن اختصاصات المفوضية تلقي الشكاوى والمعلومات من منظمات المجتمع المدني والأفراد ومن صميم سلطات المفوضية التحقيق وقد وردت في المادة 18 إنشاء وحدة للتحقيق تحت إشراف رئيس المفوضية من القانونيين والمراجعين والمحاسبين والأجهزة الأمنية بانتدابهم كما منحت اختصاصات وسلطات واسعة في المادة 19 .
هذه الحقائق الدستورية والقانونية تدعو للتساؤل ؟ نعم يكون للجهاز تنفيذي ان ينشئ وحدة للتحقيق في جرائم للفساد ولكن كيف يقبل القاضي بان يكون عضوا بها وكيف تقبل وكيل النيابة أيضا ان يكون عضوا بها وان يبدأ بموجب قانون الأمن والمخابرات والذي له حق الاعتقال وغيره من السلطات دون الخضوع لقانون الإجراءات الجنائية ؟ في حين ان النيابة العامة ملزمة بموجب قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 باخذ العلم بالجرائم مطلقة كانت او عن طريق الشكوى ومراعاة حق المتهم في القبض والضمان وغيره من وثيقة الحقوق الدستورية . لا مانع من ندب القضاة للنيابة او لجهاز الأمن والمخابرات مستشارا أو نقلا لإدارتها القانونية ولكن أرجو ألا يكون وجود القضاء والنيابة بولايتهما في هذه الوحدة .
كما أبدي انزعاجا بوجود السيد رئيس القضاء والسيد النائب العام بافتتاح هذه الوحدة ، فليس هناك ما يمنع وجود وزير العدل بعد انفصال النيابة فهو مستشار رئيس الجمهورية ومستشار الجهاز بموجب الدستور وقانون وزارة العدل لسنة 2017 . فأرجو ان اكون مخطئا في القول في كيف قبلت هذه القامات القانونية في هذا الظهور الذي يشكك في أثر السلطة التنفيذية القوي على الأجهزة العدلية ، وهذا الذي دفعني بقول ما بدأت به من سيادة حكم القانون والقادة .
كما أرجو أن اخاطب اخي الفريق أول صلاح قوش في أن يحول قيمة هذا الصالون الفخم والذي خاطب منه السيد الرئيس الحضور والشعب السوداني بافتتاح الوحدة وبحديث استمعت إليه بصدق مخاطبا وجدان العدالة واستبداله بصالون رسمي بسيط ويحيل قيمته لبعض الحراسات بالشرطة ونيابة أمن الدولة والذي يفترش فيه المتهمون وقبل إدانتهم الأرض .
إن قانون الاستقامة والنزاهة ومكافحة الفساد لسنة 2016 ينص على هذه الوحدة وإنشائها وحيث لم تنشأ المفوضية حتى الآن التمس من السيد رئيس الجمهورية إنشاء المفوضية ولحين ذلك إنشاء هذه الوحدة لتكون تابعة للنيابة العامة صاحبة الاختصاص الأصيل في التحقيق ، وإحالة ما تقوم به وحدة التحريات بجهاز الأمن والمخابرات من عمل هام إليها وإحالة من تكون هناك بينة مبدئية في مواجهته للقضاء .
ولا أود أن اتحدث عن قضايا الفساد والرأي العام السوداني بالذات الذي يسعد كثيرون منهم بالإدانة المسبقة وأذكر وأرجو أن يكون أخي مولانا هاشم أبوبكر الجعلي يذكر ذلك فقد عملنا سويا قضاة في محكمة كبرى بعطبرة ومعنا عضو بالمحكمة من أعضاء مجالس القضاة رحمه الله وقد اتهم امامنا تاجر كبير من تجار المدينة وقد كانت قضية براءة اندهشت واخي هاشم عندما تداولنا عن القضية وان النتيجة براءة المتهم واندهشنا من طلب العضو بأن من الأفضل إرضاءا للرأي العام إدانة المتهم وترك براءته لمحكمة الاستئناف وقال بان المجمتع السوداني لا يتابع من بعد ذلك فيكفيه الإدانة ويسعد بها يومه .فكان اول حوار بين العدالة والظلم والبينة وليس من عناصرها الرأي العام .
فهل حاولتم تبين مزيد من الصور التقليدية للعدالة ولماذا رسمت عمياء ؟ فخلال قرون طويلة رسمت العدالة في صورة إمراة مغمضة العينين ، حاملة سيفا بيمناها وميزانا بيسراها . فهناك من حاول كجوزيف أديسون ان يعطي ضربا من الايضاح بالقول : إن العدالة لا تتأثر بالصحبة أو الصداقة أو القرابة ولذلك فهي تمثل دائما كعمياء . وذكر اللورد ديينج في قضية : ( لعل من المستحسن ان يشار إلى العدالة على انها عمياء ، إلا ان الأفضل ألا يكون هناك رباط يعصب عينيها . ذلك انه يتعين عليها ان تعمي بحق عن الانحراف او التحيز ، لكن يتعين عليها أن تكون مفتوحة العينين للتحقق أين يكمن طريق الصواب ، وأي طريق أقل من غبرة من غيره .) وفي الشريعة الإسلامية آسي بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك ، ثم البينة على من أدعى كما جاء في رسالة سيدنا عمر .
أين المحكمة العليا بين القاضي المغادر إلى الإعارة والقاضي المغادر إلى المعاش ؟
موضوع يستحق التوقف عنده فهو بحث سن القاضي للتقاعد بمزيد من العمق والمقارنة بين الشريعة الإسلامية والمعايير العالمية وما دعا له هو نجاح الأخ الكريم بروفسير حيدر أحمد دفع الله في فتح المجال كبيرا للقضاة اعارة اكثر من عشرين من أكفأ القضاة يغادرون في هذا النصف الثالث من العام إلى قطر والإمارات ، وفي الربع الأخير يغادر مجموعة من كبار شيوخ القضاة إلى منازلهم في المعاش وهم قادرون على العطاء ويمكثون عامين بمخصصاتهم دون عمل ثم يعودون للقضاء بعقود مخالفة للدستور الذي يلزم ان يتم تعيين جميع القضاة بواسطة رئيس الجمهورية وبحال لا ينال ذاك الذي ازداد علما كالذهب في وضع اقتصادي وترتيب لا يحسد عليه !!1، رغم ان هناك امكانية للتجديد لهؤلاء لسن السبعين فهل يترك هذا الأمر للعلاقات والصلات ؟ وأين دور المفوضية القومية للخدمة القضائية ؟ وكيف حال المحكمة العليا الآن وبعد عامين ؟ وهذا ما سيكون موضوع المقال التالي بإذن الله .
اخيرا : لي مع الشرطة عمر قضيته علما وتجربة وصداقة تستحق الكتابة ورغم ذلك من البعد لي طلب للسيد مدير شرطة مرور الخرطوم :
اتصل بي شخص من اهلي معتقدا باني أمارس المحاماة اوضحت له بان وزير العدل ممنوع من ممارسة المحاماة لمدة عامين . إلا أنه موضوع سمعته وأرى تأخذ به علما وهو أن هذا الشخص حجزت عربته لعدم الترخيص وبعد ان استكمل إجراءات الترخيص وحضر لاستلام عربته وجد أنها قد تلفت كليا فلما سأل طلب منه أن يفتح بلاغا ضد مجهول ، وطلبت منه اللجوء لمحام وبالأمس يفيدني الشخص بان المسئول يطلب منه استلام عربته بحالتها ؟ فسعادة الأخ المدير أرجو أن تكون الشكوى صادقة وقطعا الإجراءات القانونية غير ذلك وفي كل الأحوال لك التقدير والتحية .
التعليقات مغلقة.